أنا يا أخا الأوطان - معارضة لعلي هاشم رشيد - أحمد علي سليمان

(أنا يا أخا الأوطان مثلك كان لي وطن حبيبْ)
قد كان لي فيه المقامُ الفذ والعِز المَهيب

وطعمتُ فيه اليُسر والخيراتِ والأنس الرحيب
وجريت أصحب رفقتي بين المحاور والدروب

ولعبتُ ، والأطفالُ حولي في سنا الغيث الصبيب
ولكم شربتُ من الغدير – براحتي - الماءَ الرطيب

ثم انطلقنا نحصد الأسماك بالشص العجيب
ولكم نظمتُ الشعر والتفعيل في الحقل الخصيب

ولكم حفظتُ الذكر - في الكُتاب - من عهدٍ قريب
ولكم درستُ العِلم - بين الأهل - فواحَ الطيوب

ولكم نهلتُ - من الجمال العذب - ما يُحيي القلوب
حيث الحدائقُ والأزاهرُ تبعث الشوق الأريب

وأتت على أرض الديار عِصابة تهوى الذنوب
في كل يوم تستبيح دماءنا عبر الحروب

هم يزرعون بكل وادٍ غرقد الموت الرهيب
وتسلطوا فوق الرقاب ، وصوّبوا الجمر اللهيب

أعداؤنا منا وفينا ، والتقيّ هو الغريب
هم يسفكون حياتنا جهراً لكى يُرضوا الصليب

ويمزقون لحومنا ، فاحمل يراعك يا أديب
وانقشْ قصيدة ذلنا – بالدمع - إن عز النحيب

وارسم معاناة يحار لوصفها عقلُ اللبيب
عذراً أخا الأوطان ، إني ضِقتُ ذرعا بالكروب

وأراك لمّا تعتبرْ بمصيرنا المُر العصيب
وأراك تغشى الموبقات بدرهم نذل عطيب

وتشيح بالوجه العصيّ وملبس زاهٍ قشيب
وتمُن مفتخراً عليّ ، ولم يُحرِّكْك الوجيب

أنا ما اغتربتُ محبة في داركم ، يا للكذوب
كلا ، وإنْ كانت عروساً ، فأنا لستُ الخطيب

إني أراها منحري ، وبحق علام الغيوب
مهما ادعيتَ خلوها – بالزور - من شتى العيوب

هي في الحضيض ، وإن بدا عيشٌ - على الفوضى - يطيب
فاحقنْ غرورك ، وارتقبْ شمساً ، سيَحْطِمها الغروب

وابك البلايا سوف تذبحكم بسكين الخطوب
وتكون أنت ضحية في موئل البغي الرعيب

هوّنْ عليك ، ولا تقلْ عني: (غريب) مستريب
والفضل بالتقوى وبالإخلاص والعمل المُصيب

فاربأ بنفسك ، يا أخا الأوطان عن قول معيب
وابك الفضائل غيّبتْ ، لم تدر ما سر المغيب

والعز شاب ، ولم يكن يشكو ثآليل المشيب
واشحوحبتْ يا صاح همّتنا ، وأعياها الشحوب

ومضت شهامتنا سُدىً ، وتأرجح المجدُ النجيب
وكما ترى أودتْ بعزمتنا الدغاولُ واللغوب

وكما ترى شمتتْ - برغم الأنف في البلوى - الشعوب
والوازع الدينيّ ولى من قرانا ، والرقيب

والطفلُ يرضع ردغة الإلحاد في زبد الحليب
وإذا أبى مضغ الضلال ، كأنه بعض الزبيب

وديارنا أمست تُخالف هَديَ مولانا الحسيب
فتخلفتْ من بعد أن رضختْ لأمريكا اللعوب

ثم استحالت جمرة في عِرض أواهٍ منيب
وغدت نسيماً يحتوي الفساق والفن العجيب

وكما ترى قد كافأتْ في سجنها كل غضوب
وتنكرتْ للحق ، هذي أمة جد عَتوب

أبئسْ بها كانت - على التوحيدِ - كالليث القطوب
ذبحته – جهراً – ثم أخفى أهلَه التلُ العشيب

وتنكرتْ لدموعه وأنينه حتى القنوب
أسفى على الشبّان ذاقوا الكيد – قهراً - والكُعوب

وكأنهم صرعى (قريش) ضمّهم جوفُ القليب
ودماؤهم سالت ليشرب نورها قاع الكثيب

وحياتهم ليست يُجَليها إمامٌ أو خطيب
وأظنها فازت هنالك عند علام الغيوب

© 2024 - موقع الشعر