الضاد أم اللغات - أحمد علي سليمان

يا ضادُ أنتِ - على التبيان - عُنوانُ
وأنتِ - للعَرَب الأقحاح - ديوانُ

حُزتِ المكانة في الأقطار قاطبة
وبحر لفظكِ ما حَدَّتْه شُطآن

غنية أنتِ عن وصفٍ وعن نسب
وفي المعاجم تدليلٌ وبرهان

ولا تزالُ رحى التاريخ دائرة
لها الكفاحُ مدىً ، والبحثُ عنوان

تُبيِّنُ الحق ، تستجلي معالمه
وليس يطمسُ ما تٌبديه طغيان

وتُتحف الضاد بالحقائق ابتشرتْ
وليس - في نصها الميمون - بهتان

تعليكِ - فوق لغات الأرض - أجمعها
فأنتِ أمٌ لها - بين اللغا - شان

فقتِ اللغا شرفاً في كل مصطدم
وقد تنزل - وفق الضاد - قرآن

أقحاحكِ الشم ما زلّوا ، وما لحنوا
وما استساغوا دخيل اللفظ ، أو هانوا

بل ناولوكِ - من الصيان - أحكمه
وكل جيل أتى للإرث صيان

ما خالطوا عجماً ، لذاك قد سلموا
ولم تكن - في لغات القوم - ألحان

حتى إذا جاء (إسماعيلُ) نقحها
وزادها ألقاً ، وساد عُربان

إذ أسلمَ الضاد (إسماعيل) كوكبة
من اليعاريب ، هم للضاد فرسان

تناولوها ، وما ضاقوا بمؤنتها
وهم على نشرها في الأرض أعوان

جابوا القبائل في قرىً وفي حضَر
دعَوْا إلى دينهم ، وضادَهم صانوا

وصدّروا الشعرَ في ميدان دعوتهم
فاعتز قومٌ بها ، إذ صحَّ تِبيان

ونافحَ الشعرُ - عن أمجادهم - غرداً
وفي القصائد ترشيدٌ ورُجْحان

وسجلَ الشعرُ - للدنيا - مآثرهم
ويومَ كان لهم - في الأرض - سلطان

وأنزل الله - بالضاد - الكتاب على
محمدٍ ، فاستمى وحيٌ وقرآن

والذكرُ حلّ محل الشعر في زمن
فيه القريضُ - بضاد العُرْب - مُزدان

وأصبح الدينُ يهديهم ويصنعهم
والسلمُ من يومها – للعُرْب - ديوان

وللقريض مدىً يُثْري رسالته
يصدُّ مَن كفروا صداً ، ومن خانوا

والضاد كم أثرتْ في غير ما لغةٍ
كأنما قولها فصلٌ وفرقان

فالبربرية والأورْدِية استقتا
منها الكثير ، وفي القاموس ميزان

واليونانية والقبطية احتوتا
منها كذلك ، هيا استشهدوا مانو

والفارسية والعبرية ارتوتا
من نهرها العذب ، والتاريخ فتان

واللاتينية عقتْ من بها نطقوا
والضاد لانت لأقوام - لها - لانوا

سل القساوسة اختاروا اللجوء لها
حلاً لتوصيل أفكار بها دانوا

والضاد تجمع أهل السلم قاطبة
وشاهدي حقبٌ مرتْ وأزمان

يوحّد السلمُ أقواماً به اشترعوا
والضادُ تُعْلي البرايا أينما كانوا

أما الأعادي فقد صفوا جحافلهم
ففي قلوبهمُ – للضاد - أضغان

يحاربون لسان الضاد مطمحُهم
أنْ لا يكون لها أهلٌ وأوطان

ويبذرون بذور الشر ماحقة
كأنها - في بقاع الأرض - نيران

ويُشهرون مُدى التغريب حاصدة
أرواح أحرفها ، وخاب عدوان

ويطعنون بالاستشراق هيبتها
هم والشياطينُ - في العَداء - إخوان

ويرسلون - لنا - سُوآى حداثتهم
وجُل سادتهم – للهزل - عُبدان

وناولونا أساليباً منمقة
من الخداع لها نيلٌ وخسران

وأغرقوا الجيلَ في أوحال خيبتهم
وكيف يحيا مُعافىً وهْو خيبان

ونوَّعوا الكيد في بدو ، وفي حضر
كي لا يفوه - بضاد العُرْب - إنسان

وشككوا في لسان الضاد ، بُغيتُهم
أنْ لا تُمحِّصَ ذا التشكيكَ أذهان

وغلّبوا دارجَ الألفاظ ، تحسبُهم
يقودُهم نحو ما ينوون شيطان

واستهجنوا اللغة الفصحى لينتصروا
وكان - في حربهم - مكرٌ وإثخان

يا قومنا انتبهوا لما يريد بكم
أعداءُ - في كيدهم - عزمٌ وإمعان

أفواههم نطقتْ بالظلم جاهرة
وقد بدا جَورُهم ، ما فيه كِتمان

والضاد شاخصة أبصارُ صفوتها
يحمونها ، ما لهم في الصون خُذلان

ينفون عنها انتحالاً كاد يُوبقها
مناضلون لهم - في النصر - إيقان

والضاد تُنذر من عن نصرها نكصوا
أواهُ كم يدحر المخذولَ نُكصان

مقوماتُ بقاء الضاد تحْفزكم
على المُضِيِّ ، وللتصميم أثمان

فأحسنوا للسان الضاد ، وانطلقوا
لقد يفيد لسانَ الضاد إحسان

مُدُّوا الأياديَ للرحمن ، واعتصموا
بحبله ، إنه بالخلق رحمن

© 2024 - موقع الشعر