إبراهيم صديقي توفاه الله! - أحمد علي سليمان

بَدّلْ حديثكَ ، واخترْ أصدق الكلمِ
أو مُرْ سِواك يقصّ الأمرَ ، ثم قمِ

واغضُضْ من الصوت ما يُجْلِي دِلالته
فليس بالسمع من ضعفٍ ولا صَمَم

وجدّ في الأمر ، لا تهزلْ فتصدمَني
بزائف القول يكوي القلب بالألم

كَنيتُ (يوسف) بالصديق أقصدُها!
فمن يعشْ صادقاً بالخير يَعتصم

فإن كذبت فليت الأذن ما سمعتْ!
وليت مَن يَفتري يُصاب بالبكم!

ماذا وراءكَ؟ أخبرني على عجَلٍ
بلفظةٍ لا تُصيبُ النفسَ بالغمم!

فقال: خالي قضى في حادثٍ بشع
فجُدْ عليه بباقاتٍ مِن الرُحُم

واصفحْ ، وسامحْ ، فما جدوى مؤاخذةٍ
إن كان أمرُ المنايا بالغ العِظم؟!

فقلتُ: خالك في هذي الحياة أخ
أعطى الخؤولة أبعاداً من القِيم

وعاش بالخلق الرفيع مَدرسة
رعى الإخاءَ بها في كل مصطدم

لم تنسِهِ فتنُ الدنيا علاقتنا
فكان فوق حظوظ النفس والتهم

وعبْرَ عقدين ألفيتُ النسيبَ أخاً
ذا وازع في التسامي غيرِ منبهم

كم اختلفنا ، وكان الخلفُ موعدَنا
فما هجاني بلفظٍ غير محترم!

ولا رماني بسب أو مخاصمةٍ!
ولا تطاولَ بالتعيير كالأكم

كم اشتكينا جفاءً في معاملةٍ
توشحتْ بإزار البؤس والوَصَم

فما جفاني ، وإن فارقته زمناً
حتى يبيت الجفا ناراً على علم!

كم اشترينا معاً ، والسوقُ شاهدة
وقدّم الشهمُ آياتٍ من الخِدَم!

كم اغتربنا ، فأرضُ الله واسعة
فكان في غربتي الشجوى أخا سَلَم!

وكم أقمنا اللياليْ في تنسّكِنا
مِن أول الذكر في بدءٍ ومُختتم!

وكم قرأنا تفاسيراً وأدعية
بكل جدٍ ، بلا كلٍّ ولا سأم!

كم اختلفنا وزوجي في معيشتنا
حتى طغى الخلفُ في مُحْلولكِ الظلم!

فجاء يمسحُ – بالتقوى - مدامعنا
وإن تكن بلغتْ سيلاً من العَرِم

كم استطال عليّ العير أغلبُهم
رهط من الطفل ، أو جمْعٌ من الغنم!

فصدّهم - بالتحدي - دونما وجل
أبئسْ بخصم بئيس الحظ منفحم!

كم استدنتُ فأعطاني ، وأمهلني!
ما أعظم الدائن المخصوص بالكرم!

كان المِثال بحاليْنا وغربتنا
ولا يُصَوَّر وصفُ الفذ بالقلم

ولم يخنْ عهدنا ، ولا أخلّ به
كلا ، فلمَّا يكن خِلي بمُجترم!

وإن أنلْ منه لم يعمد لمنقصةٍ
ولا لمقتلةٍ ، ولا لسفك دم

وكان واصلاً الأرحامَ محتسباً
والأجرُ مُدّخرٌ لواصل الرحم!

وكان مقتصداً في العيش ينشدُه
بعزةٍ ما بها شيء من النهم

إني التمستُ بإبراهيم غائبتي
في غربةٍ حَفلتْ بخائني الذمم

فكان – في غربتي – الأصحابَ أجمعَهم
وكان خير أخ مستبصر فهم

أبّنته اليومَ بالأشعار أنظمها
مَوْشية بالسنا في نورها التمم

لو خيّرتْ هذه السيارة اعتدلتْ
وما تردّتْ لتزجيْ سيئ النقم

لكنه قدرُ الرحمن ليس سوى
وفي ثناياه آلافٌ من الحِكَم

والعينُ - من ألم المأساة - باكية
دمعاً يُصيبُ جفون العين بالسقم

والقلبُ من شجن فاضَ الخشوعُ به
وهدّه الوجدُ في الإصباح والغسم

ولا نقولُ سوى ما الله يقبله
مِن طيّب القول والأذكار والكلِم

إنا رجوعٌ إلى الديّان خالقنا
وكل عبدٍ سيقلو ضجعة الرَجَم!

والله يشهدُ أن الحزن جندلنا
ومَن يَدُمْ حزنه يُكسَرْ ويَنهزم

إنا لما نال (إبراهيمَ) في شجن
وللفراق وُجومٌ غيرُ منكتم

سامحتك اليومَ في حقي ورفقتنا
مُغلباً جانب الوداد والعشم

دموعُ قومك يُبليها الزمانُ غداً
تجف يوماً ، وإنْ فرّتْ من الحُمم

ودمعُ شِعريَ - في القِرطاس - مُنهمرٌ
واهاً لدمع مدى الأيام منسجم!

والكل يقرأ ما في الشعر من دُررٍ
في كل بيتٍ تعابيرٌ من اليُتُم

يا آل (رزق) عزائي - في الفقيد - جوىً
يكوي الفؤاد بما يحوي من السدم

يا ليتني كنتُ في البلوى مُعزيَكم!
لكنْ نصيبي الذي ألقاهُ عن رغم

يا ليتني كنتُ في قومي مُشيّعه!
لكنْ قهرتُ على النصيب والقِسَم

إني بصحبة (إبراهيم) مفتخرٌ
فخراً يُغازلُ نظمَ الشعر والنغم

في عِشرةٍ شَرُفتْ ، ما كان أقصرَها!
كأنها طائفٌ من عاطر الحُلم!

في ربع قرن تمضّى مثل أمسيةٍ
تصرّمتْ ، وشذاها غيرُ منصرم

إن كنتُ أنسى فلا أنسى مواقفه
إذ لا يقومُ بها جيلٌ مِن الأمم!

ولستُ أنسى دمي على ملابسه
كأنما صُبغتْ بالوَرْس والعَنم

ولم أغبْ يومها عن وعي مَن سُفكتْ
دماؤه في سُويعات الشقا الدُهُم

إذ ضمّ رأسي ، وواساها ، ووسّدها
صدراً تجلد في الآلام والإزم

وقال: أبشرْ بسِيما الخير يا رجُلاً!
بُشراكَ بُشراكَ هذي أطيبُ السيَم!

أتيت تأمر بالمعروف مؤتمراً
به ، وتنهى عن الأوزار واللمم

وجئت تبني الذي ألفيت منهدماً
وفي طواياك عزمٌ غيرُ منهدم

ظني سيشفيك ربٌ أنت تعبدُه
وفقاً لمَا سَنّ في مِنهاجه اللقم

أنا أصِبتُ ، و(إبراهيمُ) بعدُ نجا
في حادثٍ لفّ بالأشجان والقحَم

لأن في العمر أعواماً لنا بقيتْ
لمَوعدٍ بقضاء الله مُنحسم

أعوامُه انتظمتْ في مَرّها قدُماً
كعِقد غانيةٍ في الجيد مُنتظم

واليومَ يرحلُ (إبراهيم) تاركنا
في شر حال من البلاء منفحم!

يا (كفر سعدٍ) ألا رفقاً بصاحبنا
أتاكِ كهلاً ليبقى الدهرَ في رَجَم!

على الرحيل حملتِ الشهمَ مُحتلماً
ما الفرقُ بين عطا كهل ومحتلم؟!

(عجمانُ) أكرمتِ الغريبَ ، فاعتبري
كيثربٍ رحبتْ بالمصطفى الهشِم

فرحّبي بالخليل اليوم فارقنا
إليك في رفقة الأهلين والحَشَم

وناوليه من الحنان أعذبَه
وأسعديه ببذل الخير والنعم

إني أعزي الألى في موته حزنوا
ويَسْطرُ الشعرُ ما يُملي عليه فمي

فمن يُعزي فؤادي في بليته
والروحَ إذ حُبستْ في مأزق وخم؟

ليمنح اللهُ (إبراهيمَ) رحمته
ومَن سيَرحمُ مثلَ الراحم الحكم؟!

© 2024 - موقع الشعر