خمسون عاما - محفوظ فرج

خمسونَ عاماً مَضوا عنّي قد ابتعدتْ
وَطيفُها في سُويْدا القلبِ لم يَمْضِ

إنْ دَقَّ قلبي على حُسْنٍ يُباغِتُهُ
أعادَ لي ذِكرُها بَعْضي إلى بَعضْي

وإنْ لَجَأتُ إلى السِّلوانِ يَنقذُني
أتى بأعْذارِهِ يَرمي إلى رَفْضِي

فتارةّ أتَمَلَى كيفَ جِلستُها
وإنْ تَمشَّتْ هوى قلبي على الأرضِ

فَكَمْ تغَزَّلتُ فيها وهي باسمةُ
فغارَ ناظِرُها في خَدِّها الغَضِّ

يا حَسْرَتا أربعٌ قد أدبرتْ حُلمَاً
من يَدْرِ مابعدَها للوَيلِ قد تُفضِي

حربٌ ثمانٍ حصارٌ ثُمَّ مَعْمَعَةٌ
أخرى وَيَتبعُها بُغْضٌ على بُغْضِ

دَمُ العراقِ مُراقٌ منذُ أزمنةٍ
تَطالُهُ كَفُّ مُحْتَلٍّ وَمنْقَضِّ

وَلَمْ يَعِ الأهلُ أنَّ النارَ تأكلُنا
لا فرقَ تَسْري بنا في الطولِ والعرضِ

لمْ يَنْجُ منها بعيدٌ في مضاربِهِ
بوحدةِ الشعبِ نَنْجو ساعةَ الخوضِ

أبقى كأيِّ عراقيٍّ يُعذِّبُهُ
حالٌ نَمرُّ بهِ في غايةِ الخَفضِ

حُبّي لأرضي يبقى ليسَ يعْدلُهُ
حبٌّ وإنْ جارتْ الاعداءِ في القَرضِ

في كلِّ ذلكَ أحبابي لَهمْ سكنٌ
في خافقي أتَمنّى بينهمْ أقضي

من غادَرَتْني شباباً في غضارتِها
غرامُها ثابتٌ من عاشقٍ محضِ

ظَلَّتْ تعيشُ معي والحبُّ بذرتُهُ
تَرَعْرَعَتْ في خريفِ العمرِ بالروضِ

إنْ جَفَّ عِرقٌ فمِنها طَلَّةٌ بَعثتْ
فيهِ الحياةَ بطَيفٍ زارَ كالومضِ

كأنَّها الآنَ قُدّامي بِرحلتِها
وطيبُ أنفاسِها قد مازجتْ نَبضي

يظلُّ قلبي يُناديها وَتَسمَعُهُ
يَرْفَضُّ مُلتهِفاً في البَسطِ والقَبضِ

فتَستَديرُ بعَطفٍ نَحوَهُ فَيَرى
من حولِهِ قد حَباهُ اللهُ ما يُرضي

وَجهٌ مُحَيّاه في ألْحاظِهِ حَوَرٌ
يُسْقي ظماي بتحديقٍ وفي غَمْضٍ

ياربِّ رِفْقاً بفوزٍ منك عافية
مَحْيا مَماتاً وفي بعثٍ وفي العَرْضِ

د. محفوظ فرج
© 2024 - موقع الشعر