أينَ أمْضِي؟ - محمد عبد الحفيظ القصّاب

1-
أيْنَ أمْضِي؟
--------------
أن أتصفَّحَ الماضي .. فهذا شأنٌ لا أريده .
ولكنِّي ما دمتُ لا أنفكُّ عنهُ، كَوْنُهُ حاضرًا فيما يحضرُ داخلَ الذاكرةِ وفي أوْجهٍ شتى أمامَ ناظريّ , فأنا مرغمٌ على قبولهِ صلةً لِوِصَالي معَ تاريخِ الحياةِ الموبوءة .
لو تساءلتُ عن اللغةِ المعصومةِ التي أفكرُ بها، ولا أُسيِّرُ أحرفَها داخلَ مجموعاتِ الجديدِ والقديمِ، لكانَ الجوابُ غامضًا، والحقيقةُ توصدُ أراجيحَها عن اللعبِ في حديقتِها السرمديّة .
أن أبدأ من لغةٍ اكتسبتُها في ظروفٍ وصروفٍ قدريّة , وأعملُ فيها بيدي فِعْلَ الصانعِ المتحذلقِ، وأسكبُها في فصائلَ وعقودٍ مذهَّبةٍ, أوشّيها بعناقيدِ الخمرِ الروحي، وأرسلُها في الحواسِ الإنسانيّةِ, لا أدري عندئذٍ كم منَ الوقتِ يلزم ؟! حتى أرضي إنسانيّةَ اللغةِ الثانيةِ في قبولي عنها، وقبولِ الصروفِ عن قدريّةٍ أشبهَ بأصفادٍ تزيدها دقّةً، وتغمسُها في الجسدِ الأمِّ؛ لو كانتِ السلسلةُ مستمرةً؛ أيْ أنْ أبدأ وأستمرَّ، ولا أبحثُ عن بدائلَ في صياغتي, لوجدتُ نهايةَ الأمرِ في بدايتي مسلوبًا من حقيقتي, ومتوازنًا في قدريّتي .
أبحثُ في الماضي.. ماذا يعنيني منه ؟! ما دمتُ ألهثُ في مجاذيفِ السباقِ.. أن أتركهُ ورائي أو أمامي، أو في ركنٍ بعيدٍ عن متناولِ يدي العبثيّة .
قدرٌ أن يُرْكَنَ الماضي بعيدًا , وأسمالُهُ الحسيّةُ وحدها تنطبعُ في أمانٍ في آخرِ السلسلةِ؛ حينما ينظرُ إليها اللاهِثُ وقد اطمأنَّ إلى حينِ سلامتهِ.. رغمَ كونهِ يسكبُ دوائرَ الحلقاتِ فيها، ويستدبرها في الحزنِ والفرحِ كأنَّ الفعلَ لا يخصهُ، وكأنَّ خُطاهُ عليها .. سالكةٌ بعيدًا عن سلوكهِ, وكأنَّ يدَهُ مقدَّرةٌ لأنْ تلهثَ فقط مسرعةً في طريقها, وكأنًّ الفعلَ ليس يخصّها قطْ .
ماذا لو بدأتُ ؟! الحَدُّ الفصْلُ في تساؤلٍ مزدوجٍ هو القطعُ بينَ الجزئين وتسليمُ العهدةِ إلى نهرِها الساكنِ في المخيّلة .
إذا رغبتُ في الإجابةِ.. فَعَلَيّ إنقاذَ كلِّ شيءٍ مجازًا .. من كلِّ شيءٍ وجوبًا .
والبدءُ من أوّلِ كلِّ الأعوامِ خاصّةً لولادةٍ عبثيّةٍ , تجرُّ خيباتٍ من التكسُّرِ والانحرافاتِ الدامغةِ في العقلِ, والجسدِ, والحسِّ , والوجودِ , وعدمِ الوجودِ , والمنطقِ وعدمهِ , والصوابِ وعدمهِ , والخطأِ وعدمهِ ............ الخ, والعدميّةِ وعدمِها! .
عندما الجدرانُ تزأرُ وتقطّعُ أصفادَها لتُطْبقَ على دماغِكَ, وتقاومُ السقوفُ الجاذبيّةَ الماديّةَ على الجدرانِ، فتثقلُ دماغَك بأعباءٍ أعظمَ , وترى كلَّ الطيّبِ في منبعِها منتنةً صدئةً, والهواءُ خالٍ من غازِ الحياةِ في صدرِكَ, أراكَ يا قارئًا سطوري .. تنشدُ اتّباعي إلى هوَّةِ الإنسانِ الحاضرِ، وإلى خَلاصِهِ من سلوكٍ غيرِ توافقيّ معَ المبدأِ الأوّلِ.. لكلِّ مخلوقٍ . حياةٌ فُضلى ... متى سنصل ؟! وكيف ..؟! ولماذا ... ؟!
---------------------------------
طفلُ الحرف(18)
محمد عبد الحفيظ القصاب
الخميس 711993
© 2024 - موقع الشعر