الهوية الخالدة - نوري الوائلي

لغتي وهلْ في القولِ منها أجملُ؟
أو في الكتابةِ والمعاني أكملُ؟

للعاشقين جمالُها متجددٌّ
للظامئين إلى البيانِ المنهلُ

للشعرِ بحرٌ لا يُحدُّ مدادُه
وإلى البلاغةِ موردٌ لا يبخلُ

عند الخيالِ إذا التصوّرُ غامضٌ
توحي إليه في الرؤى ما يمثلُ

نَدِيَ التودّدُ لو يُصاغُ بحرفها
مثلَ المشاتلِ بالندى تتبلّلُ

نوتاتها للسمعِ أروعُ نغْمةٍ
وإلى اللسانِ هي الحلا والمعْسلُ

رتِلَ الكلامُ تناسقاً فتناغمتْ
فيها المغازي كالحبالِ تُجدَّلُ

طلقاً سما وَترُ اللسانِ بنطقِها
وبها الخطابةُ كالغمائمِ تسبلُ

وإذا اللغاتُ كما النجوم تلألأتْ
لُغتي المجرّةُ نورها لا يأفلُ

كالتاجِ أحرفُها زهتْ ونقاطُها
دررٌ لأركانِ الحروفِ تُجمِّلُ

وسِعتْ بأحرفهِا الكتابَ قراءةً
ومداركاً ومعاجزاً تتفصّلُ

وسعتْ كتابةَ آيةٍ فسمتْ بها
فإذا البناءُ بلاغةً لا يُعدَلُ

نمتِ العقولُ بحرفها وبيانها
وكذا المعارفُ والعلومُ الأشملُ

العزُّ فيها للنفوسِ وجاهةٌ
والفخرُ فيها سؤددٌ ومكلّلُ

لغة الخلودِ وإن تناسى أهلُها
قولَ الفصاحةِ والقواعدَ أهملوا

منها البيادرُ لو جَنيْتَ نماءَها
ومِنَ اللغاتِ الغير يُجْنى الخردلُ

لولا كتابُ الله ضاعَ كيانها
وانْهارَ فيها المحتوى والأمثلُ

من بدلّ الضادَ الجليل بغيرهِ
فكمنْ شرى العالي بما هو أنزَلُ

يزدانُ مَنْ لغةِ السماءِ لسانُه
فهي الوسامُ على الرؤوسِ ومشعلُ

أيّ اللغاتِ بها تساوت في البُنى
فيْحاً وأيٌّ في الفصاحة أجزلُ

حُفظتْ بقرآنِ العليمِ ولم تزلْ
لغةَ التقاةِ وفي الجنائنِ ترفُلُ

رمزُ الشعوبِ لغاتُهمْ وحياتُهمْ
ماضيهمُ والآنُ والمستقبلُ

كالماءِ للشجرِ اللغاتُ لأهلهِا
من دونهِ رغم الخصوبةِ يذبلُ

كالأمِ تبقى للشعوبِ لغاتُهم
ماتوا إذا ماتتْ كأن لم يُمهلوا

لهَفِي على العربيّ يتركُ أمَّهُ
عجباً! أمِنْ لغة النبوّةِ يخجلُ؟

عربيةٌ لغتي وفخري أنّني
بالضادِ أنطقُ عاشقاً وأُرتّلُ

© 2024 - موقع الشعر