نهر الطفولة .. والقصيد

لـ الزبير ، دردوخ ، الجزائري، ، في غير مصنف، 168، آخر تحديث

نهر الطفولة .. والقصيد - الزبير ، دردوخ ، الجزائري

الإهداء : إلى الطفل الذي كُنتُ .. في ذكرى ميلاده ..
**************

الشِّعرُ مملكتي .. وَبَوحُ صَلاَتي
وَوَمِيضُ أَفْكَارِي .. وَعِطْرُ دَوَاتي !!

وَسَمَاءُ أَخْيِلَتِي .. وَرِيشُ قَوَادِمِي
وَرَفِيفُ أَجْنِحَتِي عَلَى الْهَضَبَاتِ !!

وَرَذَاذُ أَشْوَاقِي .. وَزَادُ مَحَبَّتِي
وَحَنِينُ طُوفَانِي.. وَطَوْقُ نَجَاتِي !!

وَشَهِيةُ الأَنْهَارِ حِين يَصُبُّها
ظَمأُ الْخُلُودِ بِوَاحَتِي .. وَفَلاَتي !!

وَأَنَا اتِّقَادُ الماءِ .. في سَكَرَاتِهِ
لأَقُولَ سِرَّ النَّارِ.. في سَكَرَاتي

***
***

وطُفُولَتي عرشِي .. وَتَاجُ مَوَدَّتِي
وصَفاَء ُوِجْدَانيِ .. وطُهْرُ سِمَاتي !!

وَنعِيمُ أَزْمِنَتِي .. وَشَايُ سَعَادَتِي
وَرَحِيقُ عُمْري .. وانْتظَامُ حَيَاتِي !!

وَنَقَاءُ رُوحِي .. وَانْسِجَامُ سَرِيرَتِي
وَجِنَانُ خُلْدِي .. وَاخْضِرَارُ نَبَاتي !!

وَتَدَفُّقُ الأَلْوَانِ في زَهَرَاتِهَا
وَتَنَاغُمُ الأَشْيَاءِ وَالحْرَكَاتِ !!

وَأنَا أُخَبِّئُ فِي الخَيَاَلِ مُرُوجَهَا
وأُرَصِّعُ الشُّطْآنَ بِالصَّدَفَاتِ !!

***
***

لِي صَهْوَتاَنِ .. قَصِيدَتِي وطُفُولَتِي
كِلْتاَهُمَا مِضْمَارُهاَ في ذَاتيِ !!

فَرَسَا رِهَانٍ .. يَرْكُضَانِ بِدَاخِلِي
وَيُحَمْحِمَانِ عَلَى ذُرَا رَبَوَاتِي !!

يَتَعَانَقاَنِ .. ويَعْشَقَانِ .. ويَنْفُراَنِ
فَيُتْعِبَانِ الخَيْلَ في وَثَبَاتِي !!

فَرَسَانِ يَسْتَبِقَانِ أَجْنِحَةَ الرُّؤَى
بِقَوَائِمٍ وَمْضِيَّةِ الرَّعَشَاتِ !!

يَتَقَارَبَانِ وَيَبْعَدَانِ بِخَاطِرِي
وَيُسَابِقَانِ أَعِنَّةَ الْخَطَرَاتِ !!

عُصْفُورَتَانِ منَ الحَنِينِ تُغاَزِلاَنِ
وَتَغْزِلاَنِ الضَّوْءَ مِن مِشْكَاتي !!

تَتَأَرْجَحَانِ نَقَاوَةً وَشَقَاوَةً
وتُبَعْثِرانِ العُمْرَ فِي الصَّبَوَاتِ !!

وأنَا الحرائِقُ والجَدَاوِلُ فِي دَمِي
فَبِأَيِّ سِرجٍ تَسْتَرِيحُ لُغَاتي ؟!

نَهرَانِ يَخْتصِمانِ .. في مَجْراهُما
وَأَناَ الظَّمِيُّ علَى ضِفافِ فُرَاتي !!

***
***

الطِّفلُ يَغْفُو في سَنابلِ حُلمِهِ
ليُسَائلَ الأَنْوَارَ في الظُّلُمات !!

ويُعِيدُ تَمْتَمَةَ الحرُوفِ بلاَ فَمٍ
ويُعِيدُ تَرتِيبَ الرُّؤَى بثَبَاتِ !!

لِتَصِيدَ مَملَكَةَ الصِّبا أَقْمَارُه
فَتَصِيدَ عُصْفُورَ المُنَى نَغَمَاتي !!

وأَنَا المُعَطَّرُ بالرُّؤَى .. فَمَصَبُّها
بِجَدَاوِليِ .. وَصِفَاتُهَا كَصِفاَتِي !!

يَسْرِقنَ عُمْرِي مِنْ ضِفَافِ مَسَرَّةٍ
ويُرقْنَه في أنْهُرِ المأساةِ !!

***
***

مَازِلتُ أَغْفُو فِي خَرِيرِ طُفُولَتِي
وَأَعُدُّ عُمْرَ المَاءِ بِالْقَطَرَاتِ !!

وأُطَارِدُ الأَطْيَارَ في أعْشَاشِها
لأُفَقِّسَ الأَحْلاَمَ مِنْ بَيْضَاتي !!

وَأُقَلِّدُ الشُّحْرُورَ فِي أَصْوَاتِهِ
فَتُغَرِّدُ الأَطْيَارُ فِي أَصْوَاتي !!

وَأُطِيرُ خَلْفَ فَرَاشَةٍ مَذْعُورَةٍ
فَتَطِيرُ خَلْفِي أَذْرُعُ الزَّهَرَاتِ !!

وَأَسِيرُ خَلْفَ الظِّلِّ أُتْعِبُ خَطْوَهُ
فَيَسِيرُ خَلْفِي مُتْعَبَ ِالخَطَوَاتِ !!

وأَصِيدُ لَوْنَ الطَّيْفِ مِنْ أقواسِهِ
لأُعَدِّلَ الأَطْيَافَ فِي بَاقَاتي !!

وأباغِتُ النَّجْمَاتِ فِي أَفْلاَكِهَا
وَأَعُدُّ مِنْهَا بِالْسِّنِينَ مِئَاتِي !!

وَأُغَافِلُ الأقْمَارَ في هَالاَتِهَا
وَأَخُطُّ فَوْقَ جِدَارِهَا أَبْيَاتِي !!

وَأُشَيِّدُ الأَبْرَاجَ فَوْقَ رِمَاِلهَا
فَيَنَامُ بُرْجِي فِي لَذِيذِ سُبَاتي !!

تَتَوَقَّفُ الأَفْلاَكُ عَنْ دَوَرَانِهَا
لِتَدُورَ فِي فَلَكِي وقُطْبِ جِهَاتي !!

***
***

الشّعرُ فَاكِهَتي .. ونَهْرُ طُفُولَتِي
وخَريرُ مَائِي .. وارتِعَاشُ نَباتي !!

وفَرَاشُ حَقْلِي .. وارْتِطَامُ أَرَاجَحِي
بِظِلاَلِ أُغْنِيَةٍ .. وسِحْرِ فَتَاةِ !!

تَتَعَتَّقُ الأَشْوَاقُ مِنْ نَظَرَاتِهَا
لِتَرُشَّ عِطْرَ الوَجْدِ في نَظَرَاتِي !!

كَتَوَاثُبِ الأَنْهَار ِنَحْوَ مَصِبِّها
كَتَطَلُّعِ الشُّطْآنِ للْوَثَبَاتِ !!

يَتَوَاعَدَانِ عَلَى اللِّقَاءِ .. وَيَبْكِيَانِ
وَيَأْتِيَانِ الْوَعْدَ فِي الْمِيقَاتِ !!

***
***

إنيِّ أُحَدِّقُ فِي خُيُولِ طُفُولَتيِ
وَأُسَائِلُ الأَطْيَافَ عن صَهَوَاتي !!

وَأُعيدُ أَسْئِلةَ الْحَنِينِ فَرُبَّمَا
حَنَّ الْجَمَادُ لِغُرْبَتِي وَشَكَاتي !!

أَحْضَانُ مَدْرَسَتِي إِذَا صَبَّحْتُهَا
وَبُكَاؤُهَا فِي عُطْلَتِي وَشَتَاتِي !!

خَفَقَانُ قَلْبِي لِلنَّشِيدِ يَهُزُّهُ
لتَحِيَّةِ الأَعْلاَمِ وَالرَّايَاتِ !!

وَضَجِيجُ أَتْرَابِي .. وَسَاحَةُ مَلْعَبِي
وَتَعَثُّرِي فِي مَلْعَبِي بِكُرَاتِي !!

تِلْكَ الظِّلالُ أنَا .. أُحَاوِلُ رَسْمَهَا
بِظِلاَلِ شِعْرِي .. فَاغْفِرُوا عَثَرَاتِي !!

***
***

تَسْبِيحُ جَدِّي .. فِي سَكِينَةِ لَيْلِهِ
مُسْتَأْنِسًا بِتِلاَوَةِ الآيَاتِ !!

يَسْتَغْفِرُ الرَّحْمَنَ فِي خَلَوَاتِهِ
وَيُعَمِّرُ الأَسْحَارَ بِالصَّلَوَاتِ !!

تتَنَزَّلُ الرَّحَمَاتُ فِي مِحْرَابِهِ
بِتَصَاعُدِ القُرْآنِ وَالدَّعَوَاتِ !!

***
***

ألْوَاحُ قُرْآنِي .. مِدادُ مَحَبَّتِي
وأَذاَنُ فَجْري .. وارتِقَاءُ صَلاَتي !!

وتَمَاوُجُ الصِّبيانِ في كُتَّابهم
وتَعَثُّرُ الأصْواتِ بالأَصْواتِ !!

وسِياَطُ شَيْخِي .. وَاعْتِذَارُ سِيَاطِهِ
لِدُمُوعِ أمِّي .. وَانْكِسَارِ قَناَتيِ !!

وأنَا الأميرُ .. على تِلاَلِ طُفولَتي
تَغْفُو النجومُ .. فَتَهتدي أَوْقَاتي !!

أنَا ذَلِكَ الطِّفْلُ الّذِي أَشْتاقُهُ
أناَ كَهْلُهُ .. وَصِبَاهُ في مِرْآتي !!

***
***

مِن أيْنَ هَذَا الطِّفْلُ سَالَ عَبِيرُهُ
فَدَنَا إِلَيْهِ الوَجْدُ بِالْجَمَرَاتِ ؟!

مَنْ كَانَ قَبْلَ مَصَبِّهَا أَنْهَارُهُ ؟
مَنْ صَارَ بَعْدَ تَفَتُّحِ الزَّهَرَاتِ ؟!

قَبَسَاتُ نُورٍ فِي سَمَاءِ قَصِيدِهِ
وَ تَأَجُّجُ الثُّوَّارِ وَ الثَّوَرَاتِ ؟!

***
***

مِنْ أَيْنَ هَذَا السَّلسبيلُ ؟ وَمَنْ أنا ؟!
مَنْ كُنتُ قَبْلَ هُطولها زخَّاتي ؟!

هُنَّ انْتِبَاهِي وَانْتِشَاءُ مَوَاسِمِي
هُنَّ انْبِجَاسُ النُّورِ فِي عَتَمَاتِي !!

لكَأَنَّما أَعْرَاسُهُ مِنْ عُرْسِهَا
وَوَمِيضُها مِنْ غَيْمِهِ بفَلاةِ !!

سَكَرَاتُ مَوْتِي في غُضُونِ قَصِيدتي
وَأَرِيجُ عِطْرِي وَامْتِدَادُ حَيَاتي !!

***
***

لُغَةٌ .. وَطِفْلٌ في الْمَدىَ .. وَصَبِيَّةٌ
تَرْنُو إِلَيهِ في عُيونِ مَهَاةِ !!

إِنَّ الَّذِي أَغْرَى بِقَلْبِكَ نبَضَهُ
سِحْرُ الرُّمُوشِ .. وَ خَمْرَةُ النَّظَرَاتِ !!

لَمَّا أحَبَّ .. تَدَفَّقَتْ أَشْعَارُهُ
فَانْسَابَ لَحْناً فيِ شَذَى النَّغَمَاتِ !!

تَتَبَاطَأُ الدُّنيا .. لِتَسْمَعَ شِعْرَهُ
فَيُشيرُ .. أنْ مُرِّي .. فَإِنيِّ آتِ !!

لَمْ يَعْرِفِ الدُّنْيا .. وَلَمْ تَأْبَهْ بهِ
حَتىَّ أحَبَّ .. وَعَاشَ في الأمْواتِ !!

***
شعر: الزبير دردوخ

06/06/2009

مناسبة القصيدة

بين يدي القصيدة: قليلة هي القصائد التي استنزفتني، وهذه إحداها.. لقد فاجأتني ذات صباح ، وأنا في طريقي إلى العمل .. كنت أقود سيارتي بين المنعرجات والهضبات، وكان الاخضرار طاغيا على المناظر المترامية على جانبي الطريق، تلك المناظر المخضرة ملأت نفسي شغفا وشوقا إلى مرابع الطفولة التي ترعرعت فيها، على سفوح الجبال في قرية "الطّرانشي" ببلدية القصبات ولاية باتنة "الأوراس". حيث الطفولة والمدرسة والأصدقاء .. وحيث الأغنام والمراعي .. والحقول والفراشات .. والأشجار والعصافير.. والأمن والأمان .. والسعادة الغامرة .. كنت أفكر في تلك الأيام السعيدة ، يوم كنت ملكا على نفسي .. أصطاد النجوم والأقمار لأزين بها فوانيس مملكتي الزاهية التي لا حدود لها.. أيام كانت الدنيا بخير وعافية !! كنت أفكر في هذه الأيام السعيدة، وكيف مرت بسرعة، وانقضى ذلك العهد الجميل، وحلت محله الأنانية والكراهية .. وحلت معها الحروب والدمار.. وتفرق الأحبة والأصحاب!! وفجأة قفز الشطر الأول من القصيدة .. الشعر مملكتي .. وبوحُ صلاتي .. لم أُعِرْه أيَّ اهتمام في بداية الأمر، وقلت في نفسي، لعله شطر شارد، لا أخ له، وسوف أتجاهله، كما تجاهلت كثيرا من الأبيات الشاردة، غير أنه ألحَّ علي، وأبى إلا أن يسجل حضوره فأردف أخاه وراءه !! ووميضُ أفكاري .. وعطرُ دواتي !! .. وأمام إصرار القصيدة على التوالد اضطررت للتوقف، وأخرجت ورقا وقلما وكتبت البيت الأول .. ثم واصلت قيادة السيارة نحو العمل.. ولكن القصيدة أخذت تلح أكثر، مما اضطرني للتوقف على جانب الطريق لمرات عديدة كي أسجل الأبيات التي بدأت تتدفق واحدة تلو الأخرى... وحين وصلت إلى مقر العمل انهمكت فيه، ونسيت الموضوع تماما، لكن القصيدة ما تزال تصر على التدفق، وكلما حاولت تجاهلها أصرت على الحضور أكثر!! غير أني في غمرة الانشغال بالعمل لم أستطع تسجيل كثير من الأبيات التي ضاعت. ولما عدت إلى البيت وجدتني مرهقا تماما من العمل وحاولت النومَ، لكن القصيدة بقيت تلحُّ، فاضطررت إلى جلب ورقة وقلم إلى جانبي في السرير، وصرت أكتب في الظلام، وأحيانا أضطر إلى إشعال الضوء لأسجل الشطر أو الشطرين، وكلما غفوت أيقظتني!! فهِمَتْ زوجتي الحالة التي كنت فيها، فتفهَّمت الموضوع، ونامت وتركتني أعاني المخاضَ وحيدا !! لم أنم ليلتها.. وأصبحت عصبيا مع الزوجة والأطفال وذهبت إلى العمل وأنا في حال غير الحال !! واستمر الأمر معي أسبوعا أو يزيد، وأنا لا أقدر على النوم إلا لماما !! وهكذا ولدت القصيدة .. ولكنها لم تكن بهذا الشكل الذي هي عليه الآن إلا بعد التنقيح والتلقيح. وصدق نزار قباني حين قال: فَيَا قَارِئِي .. يَارَفِيقَ الطَّرِيقْ أَنَا الشَّفَتَانِ وَأَنْتَ الصَّدَى !! سَأَلْتُكَ بِاللهِ .. كُنْ نَاعِمًا إِذَا مَا ضَمَمْتَ حُرُوفِي غَدَا !! تَذَكَّرْ وَأَنْتَ تَمُرُّ عَلَيْهَا .. عَذَابَ الْحُرُوفِ لِكَيْ تُولَدَا !! *** اكتملت هذه القصيدة في ذكرى ميلادي الرابع والأربعين: 06/06/2009 !!
© 2024 - موقع الشعر