أسماء بلا مسمّيات - علي بن الساسي كرامتي

-/-/- أسماء بلا مسمّيات -/-/-
 
***
 
خطاطيف قلبي أتتْ من بعيد
فشرّعت قلبي لأبدأ رحْلَتِيَ الموسميّهْ
ففاجأني الماء و هو جليد
و تلك الغصون الّتي لم تبرعمْ.
أ ما آن للثّلج أن يتفتّح ماءً ،
و أن يفتح الماءُ بابا له في مسام التراب ،
و بابا لقلبيَ في ليل هذا الزّمان،
و نافذة قد تطلّ على ما اختفى ..
من دمي في عيون السّماء ،
و ما ضاع من وهج الشّعر تحت ركام السّنين ؟
فهذي القصيدة تُوجِعُني عندما لا تجيء
و حين تجيء .
تفاجئني حين تأتي
كسارقة تستبيح حمى خافقي دون إذن
فتسلبني النومَ ، تُدْخِلني الحلْمَ ..
تُسْكنني حين تَسْكنني الحزن ..
تُوقِفُنِي في الصّراط ،
و تُسكنُ قلبيَ منزلةً بين منزلتين
تسالمني حين يغدو شعوريَ حربا .
و حين يمزّقني الحبّ رغبا و رهبا ،
تلملم أشلائي المتناثرات هنا و هناك
تعيد إليّ اتّزانيَ في عالم كلّ ما فيه ..
يشكو من الاختلال
و يشكو التردّد بين الكيان و بين العدم
فما أصعب الشّعر حين يجيء
و ما أصعب الشّعر حين يغيب
و إنّيَ ما بين هذا و ذاك
أسيرُ أسيرَ الأسى
* * *
ألا تعلمين بأنّك حين وعدت
بأن نلتقي
فتحت لقلبيَ دنيا من الأمنيات
و حين خلفت
ضربت له موعدا
مع الحزن و الانبتات
و إنّيَ ما بين هذا و ذاك
أسيرُ أسيرَ الأسى
أسير غريبا، غريبا
غريبا أنا في عيونك غربة موج البحار
عن السّير بين الصّحاري
غريبا كنوِر شهاب يجوب ليالي الشتاء
فهل تسمعين خطى الحبّ تعدو على درب قلبي
و تزرع في كلّ شبر نبيذا و شوقا
و فاكهة في حنايا دمي
أنا من أنا ؟ أنا من لا شموس له غير عينك أنتِ
و لا أرض غير مساحة حبّك أنتِ
و لا روح إلاّ انتمائي إليك
فحتّى متى سأظلّ غريبا
كأوّل نجم يحطّ الرّحال بساح السّماء
غريبا عن الماء في بيت لحم
و قد كان لي في حماها
ديار و أهل و أرض و ماء
و ها أنّني اليوم صرت غريبا
كطفل تُربّيه أمّي ..
الّتي فقدتْ والدي من سنين
و زوجةُ عمّي تربّي الأماني
معي، مع كلّ وليد جديد
و عمّي يجيء إلى بيتنا كلّ عام
و يمضي غريبا
كبدْرٍ يَجُوبُ الفضاء نَهَارا
لماذا تَشُقّ عليه الإجابه
و يتركني حين أسأله :" أين تمضي ؟ "
و حين ألجّ أنا في السّؤال
يهزّ يديه كصفصافة و يقول:
" لنا أمسنا و لكم غَدُكُمْ...
و أمّا التراب فقد كان مِلْكًا
لكم قبل أن تولدوا
و سوف يظلّ لنا بعدَ أن تأتي علينا الحياة "
" أنا أنت يا ابن أخي ..
و ذي بنت عمّك كن يا بنيّ لها "
مضى الآن عام و ما عاد عمّي
و لم أرَ صفصافة بعدها
فأقبلت أسأل أمّي:
" لماذا خلا الحيّ ؟ أين الرّجال؟ "
فقالت:" ستكبر يا ولدي ..
و ستعرف أنّ الرّجال فقط يُقْتَلون/ و يُسْتَشهدون
و أشباههم يرثون الحياة .
* * *
و مرّت سنون و صار الصبيّ رجل
و قال: " كم امرأة في حياتي
تخلّل قلبي هواها
و أسرى بعينيّ في بحر دمع رجيم
كم امرأة في حياتيَ ما دقّ خافقها لسواي
فكم ذا عُشِقْتُ و كم ذا عَشقْتُ
و علّمني الحبّ أن غرام النّساء
يعلّم صنع القدر
و لكنّ ما بين قلبي و بين الوطن
لأكبر من حبّ كلّ النّساء
فما أهون العمر حين يقدّم مَحْرَقة للوطن
فيا وطني
يعلّمني الحبّ أنّ الشّهادة ..
من أجل عينيك ألف حياة
و إنّي أنادي الغزاة
تعالوا إذن ؛
دماء الشّهيدة موصولة بدماء الشّهيد
و نمضي و لن يتفرّق سيل الخُطَا ..
عند منعرجات الرّصاص
سنُسقط راياتكم راية بعد رايه
و نكتب آياتنا آية بعد آيه
أ كان بوسع السّماء تجاهل صوت الفداء
إذن خُطَّ عندك ..
إن كنت أنت تريد حياة فنحن نريد وطن
و ما أهون العمر حين يقدّم محرقة للوطن
سنبدأ من حيث فارقنا الأوّلون
و نخطف من خصلة الشمس خيطا
من النّور حتّى نعيد البدايه
و حتّى نخطّ حدود الوطن
و حيث وجدت الضياء تَجِدْنا
ففتّش إذن عن أماكن لا تشرق الشمس فيها
فثَمَّة وجه الحصار
و ثمّة سوف تراهم
ملايين خلف الملايين يمضون كَلْمَى
ترى في البطاقات جنسيّة عربيّة
و لست ترى في العروق دما عربيّا
و لا في الوجوه سمات العرب
و تبكي على وائل أختُه فاطمَهْ
و أدرك أنّ الزّمان إذن ليس بعد زمان العرب
لأنّ الشهيد ، شهيد العرب
إذا كان يوما له أن يعود الحياة
سيختار ما اختار بالأمس ..
إمّا حياة و نصر و إمّا ممات و قبر
و يصرخ :" إنّي الشّهيد
سأُولِمُ من جسدي، من دمي للوليد وطن."
© 2024 - موقع الشعر