و غابت الشّمس - علي بن الساسي كرامتي

*** و غابت الشّمس ***
***
تصدير:
يظلّ المرء صغيرا ما دام أبواه حيين فإن ماتا كبُر
 
نعم رحلت فاطمه
و صار الصّباح يطيل التّلكّؤ حتّى يجيء
و يُغمى على الشّمس في وضح الأفق ..
وهي تمشّط أضواءها كلّ يوم
و أصبحْتُ أشرب فنجان شايي صقيعا
و لا كعك يؤنس وحدته في الصّواني
أطوّف في البيت وحدي
أجول بعيني هناك، أجول بعيني هنا:
غُرفٌ لفّها الصّمت...
نافذة لا تطلّ على أيّ شيء
دواليبُ تجثم مشدوهةً في الزّوايا
على الْجُدُر البيضِ ترقد ساعاتنا الحائطيّهْ
سرير تثاءب فيه الفراغُ
تمطّى السّكونُ و أرخى يديه على كلّ ركن
مواعين تنعم بين الرّفوف بإغفاءة قد تدوم
و قد نَسِيتْ لذعة النّار و الماء ..
في رحلة الانتظار المرير
غدت تستحمّ بموج الغبار الّذي يتهامى من النّافذه
و في المزهريّة ورد يطأطئ أعناقه في ذبول
و سجّادة في الخزانة مطويّة..
تترقّب أن تستعيد استطالة أطرافها بعد طول انثناء
و ثغرا يهلّل بالذّكر و الابتهال
و مسبحة ما تزال معلّقة
و قد شاقها منك تسبيحة و دعاء..
* * *
أتَتْ ليلةُ الجُمُعَهْ
و ما دغدغتْني روائح ندٍّ
و لا نبَسَتْ بالبخور المجامر
و لكنّ تجرّد سيف المواجع من غمده
و أشهر آلامه في دمي
و راح يشقّ طريقا له في ضلوعي
و يشرب من أدمعي كأس أحزاني المُتْرَعَهْ
بكيت فلا الدّمع جفّ و لا الحزن خفّ ..
و لا أُوصدَتْ بعدُ أبواب آلامي المُشْرَعَهْ
فماذا أقول لمجمرة تتأجّج شوقا
لمسبحة تتألّم صمتا
لسجّادة تتضوّر طيّا
أ أخبرهم أنّ مملكة الشّمس تنعي مليكتها..
فلمن ننتمي بعد هذا الغياب
و هذا الخراب و هذا الخواء
و لا شمس، تَعدِلُ ،مهما سَمَتْ، شمسَنا
و هل في استطاعتنا أن نتبنّى شعورا جيدا
يُعوّدنا أن نهيم شعاعا غريبا
كأوراق صفصافة قادها الماء في سيره حيث شاء.
لمن تستطيل السّماء؟
و تنثر أنجمها في انتظار الضّياء
و كيف سنضبط تقويمنا في أماكن..
لا تشرق الشّمس فيها
و لا يعرف السّائرون اتّجاه الشمال
و ماذا أقول لهذا الغياب الّذي يتحدّى احتمالي
و يهزمني كلّ مرّه
و ماذا أقول لعيني الّتي لن تراك
و ماذا أقول لقلب سيدمن ذكراك طول العمر
و ماذا أقول لعمري و قد صار في قبضة الحزن..
يهصره كيف شاء
أنا الآن أكبر من أيّ يوم مضى
أنا الآن أضعف من أيّ وقت مضى
أنا الآن أكبر عمرا و أكبر حزنا
و أصغر من أن يداوي شجوني الكلام
و أعجز أن أعتلي صهوة الصبر، في محنتي،
فارسا ليس يُنهكه الرّكضُ في حَلْبة المِحنِ المقبلهْ
تصدّع من حولي الكون و استوحش الأمن، ساد الظّلام
توسّد قلبي الفراغً و نامْ
كلّ شيءٍ هنا صار لا شيءَ و انتهتِ المسألَهْ
 
-----
إلى روح أمي التي اختطفها الموت يوم 23 جانفي 2012
© 2024 - موقع الشعر