مدارات الضوء - باسم عبدالحكيم عيد

مع أخر الاستدلالات التركيبيه الرائعه للشاعر باسم عبد الحكيم(مدارات الضوء)
 
 
 
مدارات الضوء
 
أجلس في إحدى الطرقات البعيدة عن المدن
 
كمومياء
 
شهد كل القرون الغابرة،
 
من خلل ثقب الموت
 
الفجاء.
 
تلك القرون التي انتصر فيها
 
المعنى على التكوين
 
الجواب على السؤال،
 
اليقين على الشك،
 
والمألوف على المختلف .
 
غير ان المهزوم في المنازلات
 
مازال نهرا في
 
ذاكرة التاريخ،
 
ومازال فرسا ربيعيا يعدو في البراري
 
الفسيحة،
 
صوته مازال لايعرف الخريف .
 
المهزوم يولد غريبا
 
ويحيا منبوذا ويموت وحيدا،
 
غير ان ذكراه تنتشر
 
كالضوء في العالم بعد رحيله .
 
الفجاء
 
أتطلع في وجوه الأشياء
 
التي تمر بي كمن يبحث
 
عن ضالته أو توأمه
 
في الانكسارات والهزائم .
 
أشاهد الكثير منها صائم
 
عن الصمت رغبة بالثرثرة،
والقليل منها صائم
 
عن الكلام رغبة بالرقص والغناء،
 
فأتأكد بأنني لست لوحدي .
الكلام من دون سؤال كإناء مثقوب،
 
فلماذا الثرثرة ؟!
 
أرى في البعيد طاحونة هواء عملاقة
 
، ترسم بهوائها
 
على صفحة الفضاء،
 
صرختها بوجوه الملائكة والأخلاق .
 
أتمتم في سري :
 
الأخلاق،
 
خطيئة البشرية .
 
الأخلاق،
 
ثياب بالية ترتديها الأجساد القذرة .
 
الأخلاق،
 
لغة الأقوياء المفروضة على الضعفاء .
 
ماكينة تصنع الجمال
 
بقدر ماتصنع الخراب لنفسها .
 
 
أستمر في التحديق بطاحونة الهواء،
 
فأراها مشغولة
 
بخلق النسيم للكائنات العاشقة
 
لكل ماهو مغاير ومخالف .
 
النسيم،
 
رئة الكلمة الخبيثة
 
المنبثقة من أفواه المجانين .
 
فهل للنسيم من غاية ؟
 
أشعر بأن طاحونة الهواء
 
تهرس ضحاياها في
 
أحشائها من اجل ان تستمر في الحياة .
 
آه،
 
أتذكر حياتى كلما رأيت الطواحين .
 
فالطاحونة،
 
امرأة تنتظر حبيبها الغائب
 
في أودية المعنى منذ
 
سنين طويلة :
 
حبيبتي لاتكوني فراشة،
 
أخشى عليك من ضوء
 
كلماتي .
 
حياتك،
 
زهرة نابتة في فم
 
تمساح .
 
الماء الذي تريديه
 
لن تجديه !
 
ألا يكفي انك تنامين
 
بأحضان الهواء ؟!
 
سنسافر معا إلى
 
بيوت الموسيقى
 
ربما سنصادف النغمات
 
التي أكلتها الديناصورات
 
قبل قرون وقرون،
 
أو سنغادر إلى الجبال
 
المؤدية إلى
 
أول كلمة في التاريخ ..
 
أحمل وجهي صوب الأفق، فأراه ملطخا بالضوء .
 
كان الضوء يومئ للزهور بسره الابدى
 
يومض للحقول،
 
يتلألأ للأنهار،
 
ويرسل نهاراته إليها،
 
وفي الوقت ذاته،
 
كان يرسل الحيرة إلي .
 
أرى رحلات بيض كثيرة تمر أمامي،
 
كانت تسير واثقة وبانتظام،
 
بينما رحلتي كانت ممعنة
 
بالوحدة والحيرة .
 
وهذا كان مدعاة إلى ان أقيم احتفالا خاصا
 
لأحبتنا الشياطين فقط .
 
(الشيطان مختلف، والملاك مألوف .
 
الشيطان عصيان، والملاك طاعة .
 
الشيطان شك، والملاك يقين .
 
الشيطان سؤال، والملاك جواب)
 
وما أن أودع الشياطين الأحبة، حتى
 
أهبط إلى أحد المنخفضات الدافئة .
 
أجد نبتة المعنى،
 
أقطفها، وامضغها بنهم هائل،
 
وحينذاك،
 
أصاب بداء الضوء
© 2024 - موقع الشعر