المياه المياه !

لـ وديع سعادة، ، بواسطة سماهر، في غير مُحدد

المياه المياه ! - وديع سعادة

المياه المياه
 
نشيد 1983
 
****
 
أُرفرفُ
 
لا لأنّ هذا قفصٌ أو غابة
 
بل لأنّ الريح تضربني
 
الهواءُ كثيرٌ والأجنحة مستجيبة
 
ولكنْ
 
بقاعٌ كلّها هذه البقاع
 
منحنٍ على النهر
 
لا أريد الجلوس
 
منحنٍ
 
لا أريد الوقوف
 
ماءٌ وسقسقةٌ
 
وماء
 
للجذوع الهرمة
 
جمْعٌ سائر في الظلام
 
وصمت
 
في البدء كنتُ صيفًا ممَّددًا
 
ورأسُ خَصْمي معلّقٌ على الغصون
 
كنتُ مائتًا جميلاً في سفينة
 
ثلجَ نيْسانٍ غريبٍ على أرخبيل
 
وأرمي
 
خواتمَ الوعود الآن
 
أتثاءبُ من الزهر إلى الزهر
 
أرمي الخواتم
 
وأنام
 
عندي فَرَسٌ لا اعرفُ ماذا أفعل بها
 
أمتطيها
 
لأتسلَّى
 
لا ماء هنا
 
لا جذوع
 
لا جَمْع
 
بل مجرَّد وهْم
 
ولا وقت لتقول الوداع
 
كلُّ الذينَ عرفتُهُمْ
 
ماتوا
 
وكلُّ من أعرفُهُ يموت
 
هنا في جزيرة الفجر كنتُ سمَّاكًا
 
يرث القصب
 
في الصباح سائسٌ
 
وفي المساء أقعدُ
 
أراقبُ الغروب
 
طيورٌ سودٌ تنقر الخبزَ عن رأسي
 
محكومٌ بالإعدامِ
 
وبذكرى يمامةٍ ثلجيَّة
 
رشَشْتُ لها الحَبَّ طيلة الشتاء
 
كنّا وحيدين في الغابة
 
لم يكن هناكَ ما نقوله
 
صمَتْنا ونظرْنا في السماء
 
هذه مدينة الموتى
 
أنا بعينيَّ المظلمتين أراهم
 
يملأون الممرّ
 
متهدّلٌ
 
عيناي مفقوءتان
 
وأرى
 
وأنتظرُ العالمَ السفليّ
 
في ظلِّ الجدار
 
هذه عصاي
 
حيّةٌ مستقيمة
 
فتحت لها طريقًا
 
وفي رحلتي الطويلة والرمحُ في يدي
 
سمعتُ الصوتَ
 
كمياهٍ كثيرةٍ ونحاسٍ نقيّ)
 
(وميّت...
 
كنتُ بيلسانًا عاشقًا في حقل أبي
 
كنتُ قرية في وسط الرذاذ
 
أُطِلُّ عليها من مفرقٍ قديم
 
السواقي اجتمعت الآن في وجهي
 
والأطفال عادوا إلى البيوت
 
ماذا في هذه الجبال إذًا
 
غير أن يجري النهر
 
أن أفسِحَ الطريق للعابر الغريب
 
أغسلَ الحصى
 
أترك على الحفافي قَصَبًا
 
وأمضي
 
المياهُ المياه
 
الجهات موحشة
 
وكثيرة
 
كيفَ أعودُ إلى أهلي مليئًا هكذا
 
بالهبوب
 
أنتظرُ الطيورَ المهاجرة
 
لأعيدَ محبَّتي إلى الجبال
 
سأغادر
 
لكنّي أعود
 
لأُلقي حطبي
 
الغابة وهبتني نهارًا آخر
 
استضافني البطيء الزاحف على الأوراق
 
ومرّ السمّنُ السرّي
 
فوق رأسي
 
كنتُ ريَّانًا مليئًا بالغيوم
 
فانحنيتُ على نبعي
 
ودلقتُ الدموع
 
نامتْ أورور على حقلٍ يباس
 
ولم ترَ جسدًا يصعد إلى السماء
 
ولا ملحًا يمشي
 
ما رأتْ أورورُ غيرَ أقدامٍ
 
وملحٍ في البحر
 
لو أنَّ هذا البحرَ
 
مبلّل
 
لو أنَّ هذا الخشب اليابس يابسٌ حقًّا
 
بماذا
 
يمسحُ الإنسان نفسه لينام؟
 
طوى النسرُ جناحيه على النبع القديم
 
عائدًا إلى النعاس
 
عصفورة حكيمة
 
تعرفُ أنّ ما رآه
 
كان حزنًا غابرًا
 
في الجبال
 
عشبٌ كاسد
 
ها أنا أمشي وحيدًا تحت المطر
 
:أمشي وحيدًا وأهتف
 
هذي هي الأرض، هذي هي الأرض
 
مولود جديد
 
يتعرّض الآن للهواء
 
يا حارسة البوّابة يا امرأة المزلاج يا صاحبة القفل المقدّس)
 
ماء سيّدك في داخلي إنّه في داخلي
 
فليمْض إلى الأرض
 
وطأتُ المدينةَ الموفُورة
 
غابةَ الظِلِّ الوارف
 
والمياه الأولى
 
الخضراءَ المتباعدةَ الركبتين
 
وعندما ارتفعتُ ارتفعتْ معي كلُّ الأسماك
 
اضطربَ الغمرُ زال عن البحر وجهُ المرح
 
واستبدَّ الهلع
 
(بالأنهار العالية
 
قطرةً قطرة
 
ينزل الموتى على بابي
 
ومركبٌ يتوقّف لأجلي تحت الشمسُ
 
وجالية فقيرة من الرعشات
 
تعودُ إلى الرمل
 
أيها الماء الأبديّ
 
أنا المغسُول في نهر الخلود
 
كنت جميلاً كغابة)
 
(أبيض كالشمس في الماء
 
أرعى غَنمي على رأس الجبل
 
وأمامَ الجميلة
 
(كنهرٍ يبتعدُ عن النبع)
 
فارقتُ الحياة
 
أنا الآن الريشةُ الزرقاء)
 
(يتركها العصفور للشوك
 
رميتُ إبرةَ الرعب كطاووس صغير
 
أنا فطرٌ عاشق
 
تحتَ السَّهْم
 
لا شيءَ هنا
 
لا شيء غيرُ عشب الصمت
 
لماذا أنْهَرُ غزلانَ غفلتي
 
على مهل فلترعَ هذه الخرافُ
 
على مهلٍ فلترعَ
 
وتَسْتَلْقِ
 
لستُ الراعي ولستُ الغنم لكني
 
أحنو على المياه
 
تركتُ جرَّتي في العين
 
ورجعْتُ
 
الشمسُ أشرقت عليَّ طويلاً
 
وأرسلتُ ثغائي كلَّهُ
 
خَزَفًا إلى الجبال
 
الشبكة
 
تصفّي نفسَها من الملح
 
ماذا ينفعُ أن أرمي محبَّتي على الماء
 
أن اُعَرِّضَ ملائكتي للأحلام
 
ليلي للملائكة
 
أنْ أفتحَ إناءَ عشقي
 
وأُفسد سهوي
 
الزمنُ يشفي وجهَهُ
 
ببطء
 
ويمسحُ الشوقَ عن شواطئي
© 2024 - موقع الشعر