أيّها الراعي - إيليا أبو ماضي

شهور العام أجمملها " ربيع "
و أبغضها إلى الدنيا " جمادى "

و خير المال ما أمسى زكاة
و خير الناس من نفع العبادا

بربّك قل لنا و خلاك ذمّ
أعيسى كان يذّخر العتادا ؟

تنبّه أيّها الراعي تنبّه
فمن حفظ الورى حفظ العبادا

خرافك بين أشداق الضواري
و مثلك من حمى ووقى النقادا

تبدّل أمنهم رعبا و خوفا
و صارت نار أكثرهم رمادا

لقد أكل الجراد الأرض حتى
تمنّوا أنّهم صاروا جرادا

فمالك لا تجود لهم بشيء
وقد رقّ العدوّ لهم وجادا ؟

و مالك لا تجيب لهم نداء
كأنّ سواك ، لا أنت ، المنادى ؟

...
وربّت ساهر في " بعلبك "

يشاطر جفنه النجم السّهادا
يزيد الليل كربته اشتدادا

وفرط الهمّ ليلته سوادا
إذا مال النعاس بأخدعيه

ثنى الذعر الكرى عنه وذادا
به الداءان من سغب وخوف

فما ذاق الطعام و لا الرقادا
تطوف به أصيبيه صغار

كأنّ وجوههم طليت جسادا
جياع كلّما صاحوا و ناحوا

توهّم أنّ بعض الأرض مادا
إذا ما استصرخوه وضاق ذرعا

نبا عنهم و ما جهل المرادا
و لكن لم يدع بؤس اللّيالي

طريفا في يديه و لا تلادا
و لو ترك الزّمان له فؤادا

لما تركت له البلوى فؤادا
...

أتفترش الحرير و ترتديه
و يفترش الجنادل و القتادا

و يطلب من نبات الأرض قوتا
و تأبى غير لحم الطير زادا

و تهجع هانئا جذلا قريرا
و قد هجر الكرى وجفا الوسادا

عجيب أن تكون كذا ضنينا
و لم تبصر بنا إلّا جوادا

أما تخشى ذي لسان :
أمات الناس كي يحيي الجمادا

...
لذاتك همّهم نفع البرايا

و همّك أن تكيد و أن تكادا
نزلت بنا فأنزلناك سهلا

وزدناك النضار المستفادا
فكان حزاؤنا أن قمت فينا

لاتعلّمنا القطيعة و البعادا
فلمّا ثار ثائر حرّ

رجعت اليوم تمتدح الحيادا
أتدفع بالغويّ إلى التمادي

و تعجب بعد ذلك إن تمادى ؟
سكتّ فقام في الأذهان شكّ

و قلت فأصبح الشّكّ اعتقادا
تجهّمت القريض ففاض عتبا

و إن أحرجته فاض انتقادا
و لولا أن أثرت الخلف فينا

وددنا لو محضناك الودادا
© 2024 - موقع الشعر