طرقنا بابكم فأجاب صمت - يحيى السماوي

أما لبعيدِ هودَجِكم قدومُ ؟
يتيمٌ بَعدكم قلبي … يتيمُ

تقادَمَتِ الوعودُ ولا لقاءٌ
يُنادم ُ فيه معموداً نديمُ

وغادرنا الربيعُ فلا هَزارٌ
شدا بضحىً .. ولا نضجتْ كرومُ

فأنْجدْنا… ولكن لا "عَرارٌ"
أفاءَ لنا … ولا نَفَحَ "الشَّميمُ" (1)

طرقنا بابكم سبعاً… فألقى
علينا شوكَ وحشتهِ الرَّنيمُ

أعدْنا طرقنا … فأجابَ صمتٌ :
لقد رحلوا… فَشَيَّعنا الوجومُ

وكدنا نسألُ الجيرانَ لولا
حَياءُ "السينِ" حين يظنُّ " جيمُ"

وقفنا بُرهةً فتنازعتنا
" ثَرَمداءٌ" و"أبلجَ " و" القصيمُ" (2)

تشابكتِ الدروبُ على غريبٍ
كما يتشابك الليلُ البهيمُ

فيا أحبابنا هل من جديدٍ
يعانقُ صحوَهُ حلمٌ قديمُ

ويا أحبابنا ما طولُ عمرٍ
لنفسٍ لا تُرامُ ولا تَرومُ ؟

ويا أحبابنا هل كان يذكو
بغير حريقهِ الرّندُ السليمُ؟ (3)

تمكَّنتِ الصَبابةُ من صبورٍ
على ما ليس تحملهُ الجسومُ

فأضحى يستغيثُ بطيفِ جفنٍ
وقد مَطَلَتهُ فاتنةٌ ظَلومُ (4)

رأى فيها ب"بندَةَ" خلفَ سترٍ
صباحاً تحتَ داجيةٍ يُقيمُ(5)

تَبَعثرَ جمعُهُ … واحتارَ قلبٌ
وغادرَ ثغرَهُ الصوتُ الرخيمُ

وكاد يشدُّ عن وجهٍ " نقاباً "
ليشرقَ مُشمِساً صبحٌ كريمُ

ف" بَنْدَةَُ" حين قابلها نعيمٌ
و"بَنْدةُ" حين فارقها جحيمُ

وعاتبني فمي : أيجوزُ قتلي
على عطشٍ .. وفي عيدٍ أصومُ؟

فدعْني أستقي من نبع شهْدٍ
ليَعسُلَ في دمي صابٌ صميمُ(6)

وكدتُ أقول : لا نُسكاً ولكنْ
مخافةَ أنْ يُقال فمٌ ذَميمُ

وخشيةَ أن تعيشَ فماً طريداً
ك" آدمَ" حين أغواهُ الرَجْيمُ

ويا أحبابَنا لو كانَ يُجدي
عتابٌ لانبرى قلبٌ هضيمُ

تَحَصَّنَ بالجنونِ لدرءِ نصحٍ
يقولُ بهِ المُجرّبُ والحكيمُ

يغصُّ يراعُهُ لو خطَّ سطراً
لغيركُمُ ويجفوه النعيمُ

أتُغْني الطير عن غُصنٍ نقوشٌ
لتغنينا عن الوصلِِ " الرسومُ"؟

فجائِعنا ولُوداتٌ … وأمّا
مسرتُنا فغانيةٌ عقيمُ

إذا اصطبحَ الفؤادُ بكأس سعدٍ
فقد زخّتْ بمغتبقٍ همومُ

أخافُ عليَّ مني … إنّ قلبي
غريمي في السَكينةِ والخصيمُ

تَهَيّمَكم ويعلمُ أنّ عشقاً
عصيُّ الوصلِِ "مرتعُهُ وخيمُ"

وأقنعني "ابن غدرةَ" أن حُبّاً (8)
بلا جمر الصبابةِ لا يدومُ

فصحتُ بهِ : ألا يا جمرُ زدْ بي
حريقكَ واستبدي يا كُلومُ

أذودُ عن الهوى بنزيفِ روحٍ
يُناصبُ وردَها شوكٌ أثيمُ

وقلّدني عصا الترحالِِ رملٌ
له عشقانِِ: طهرُ هوىً و"ريمُ"

فيا أحبابَ باقي العمرِ هلاّ
تُضاحِكُ ليلَنا منكم نجومُ

أقيلوا عثرةَ الأمواجِ ألقتْ
بنا عنكم فمجدافي هشيمُ

*****
انجدنا: اتجهنا صوب نجد . وفي البيت اشارة الى البيت الشهير :

تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار
ثرمداء، أملج ، القصيم : من مدن المملكة العربية السعودية

الرند: نبات طيب الرائحة ، تفوح رائحته عند حرقه
المطل: التسويف بالوعد ، عدم الوفاء بالعهد

بندة: من الأسواق الشهيرة في الرياض
الصاب : نبت شديد المرارة.

الصميم : الخالص والمحض من كل شيء
تهيمكم : اصابه الهيام بكم

ابن عذرة: المقصود به قيس بن الملوح
© 2024 - موقع الشعر