دوار الوقت - نسيمة بوصلاح

ها أورق الوجع المعلب داخلي
ضيفا بساح العين والوجدان

لا صَوْتَ لِي كَيْ لا أَقُولَهُ بِالْغِنَا
كَمْ ذَا وَدِدْتُ وَخَاصَمَتْهُ أَغَانِ

***
هَا مَرَّ عَامٌ... وانْتِظَارُكَ فِي دَمِي

هَا مَرَّ عَامٌ... هَا تَلَاهُ الثَّانِي
مُنْذُ انْتَصَرْتُ عَلَى جِرَاحِي خُنْتُنِي

مُنْذُ اكْتَشَفْتُكَ كِدْتُ أَنْ أَنْسَانِي
***

رَاهَنْتُ أَنَّكَ مَرَّةً سَتَجِيؤُنِي
وَصَحَوْتُ أَسْتَجْدِي خُيُوطَ دُخَانِ

رَاهَنْتُ أَنِّيَ سَوْفَ أَلْمَحُ بَغْتَةً
أَطْيَافَ شِعْرِكَ تَقْتَفِي عُنْوَانِي

رَاهَنْتُ أَنَّكَ قَهْوَةٌ غَجَرِيَّةٌ
قَدْ يَحْتَوِيهَا مَرَّةً فِنْجَانِي

لا تَسْتَخِرْ حَدْسَ الفَنَاجِينِ الَّتِي
قَرَأَتْ عِرَافَاتِي وَبَعْضَ حَنَانِي

لا تَسْتَخِرْ حَدْسَ الدُّخَانِ فَإِنَّهُ
تِبْغُ المَوَاجِعِ حَاقِدٌ وَأَنَانِي

واقْرَأْ أَكُفَّ الطَّارِئِينَ عَلَى الهَوَى
وَانْظُرْ لَعَلَّكَ إِنْ مَرَرْتُ تَرَانِي

وَتَرَى رِهَانِيَ عَاثِرًا بِدُعَائِهِ
وَتَرَى بِهِ الكَفَّيْنِ تَصْطَفِقَانِ

رَاهَنْتُ أَنَّكَ لَنْ تَكُونَ وَكُنْتَنِي
وَتَعَثَّرَتْ لُغَتِي بِصَمْتِ رِهَانِي

***
يَا أَعْذَبَ الوَجَعِ الَّذِي قَدْ ذُقْتُهُ

يَا أَكْثَرَ الشِّعْرِ الَّذِي جَافَانِي
عَيْنَاكِ عُصْفُورَانِ في عَتَهِ الفَضَا

رِيشٌ تَنَاسَى حِكْمَةَ الأَغْصَانِ
طَارَا بَعِيدًا خَلَّفَا قَلْبِي هُنَ

هَلْ لِي بُعَيْدَ اليَوْمِ عُصْفُورَانِ ؟؟
***

دَعْنِي أَقُلْكَ وِشَايَةً شَرْقِيَّةً
قَدْ عَمَّدَتْهَا لَعْنَةُ الرُّكْبَانِ

الرَّمْلُ قَلَّبَ كَفَّهَا فَأَذَاعَهَا
مَا بَيْنَ عَيْنَيْ حَاسِدٍ وَلِسَانِ

وَالوَقْتُ فَاجَأَهُ الدُّوَارُ فَلَفَّهَ
مَا بَيْنَ حُمْقِ دَقَائِقٍ وَثَوَانِ

لَا الوَقْتُ أَسْعَفَ لَا الوُشَاةُ تَمَهَّلُوا
لَا الشِّعْرُ أَمْطَرَ لَا النَّوَى أَنْسَانِي

لَا العِشْقُ حَجَّ إِلَى بِقَاعِ أَسَاوِرِي
لَا الحُبُّ أَحْرَمَ لَا الْهَوَى لَبَّانِي

****
دَعْنِي أُفَصِّلْ شَكْلَ وَجْهِكَ لُعْبَةً

شِعْرِيَّةً مفكوكة الأركان
تأوي الكناية عند ظلك ساعة

فيعيرها معناك بعض معان
تعب البلاغة أن تضيعك محرما

في كعبة الأشكال والألوان
تطوف اللغة اليباب وتنتهي

في مقلتيك معاقل الأكوان
هَذا قصيدي لَيْسَ فِيهَا سِوَى الْحَصَى

وَالْبحر أَنْتَ وَعلة الأوزان
يَا مَعْبَدَ التَّعَبِ الجَمِيلِ وَرَبَّهُ

يَا مَجْمَعَ التَّوْحِيدِ وَالأَوْثَانِ
نَايٌ أَنَا قَدْ صَاغَ مِنْكَ صَلَاتَهُ

نَايٌ أَنَا لِلْبَوْحِ بَلْ نَايَانِ
ضَيَّعْتُ وَجْهَكَ فِي رَصِيفٍ خَانَنِي

وَبَقِيتَ أَنْتَ عَلَى الرَّصِيفِ الثَّانِي
لَا زَالَ شِعْرُكَ يَسْتَطِيلُ مُفَارِقًا

إِنْ كُنْتُ أَبْدَؤُهُ فَقَدْ أَنْهَانِي
وَالشِّعْرُ مَعْصِيَةٌ يَحِقُّ عِقَابُهَا

إِنْ لَمْ يُشَرِّحْ غَصَّةَ الإِنْسَانِ
إِنْ لَمْ تُقَاصِصْهُ الْمَنَادِيلُ الَّتِي

قَدْ جَرَّحَتْهَا قَسْوَةُ الأَزْمَانِ
لَا قَهْوَةٌ بَرُدَتْ وَلَا اليُتْمُ انْتَهَى

شِعْرٌ وَمَقْهَى نَبْضَةٌ وَيَدَانِ
بَرْدُ الْمَطَارِ وَجُرْحُنَا وَسُكُوتُنَا

وَطُقُوسُ صُحْبَتِنَا مَعَ النِّسْيَانِ
وَدَّعْتَهَا بِسِجَارَةٍ لَا تَنْتَهِي

لَا التِّبْغُ صَدَّقَهَا وَلَا الشَّفَتَانِ
غَيِّبْ مَرَاسِيمَ الوَدَاعِ فَإِنَّنَا

جُرْحٌ وَلَكِنْ فِي الوَدَاعِ اثْنَانِ
جُرْحَانِ نَحْنُ وَدَمْعُنَا مُتَوَاطِئٌ

يَا كَمْ تَعَانَقَ بِالبَكَا جُرْحَانِ
***

قَدْ أَرْتَمِي فِي عَرْضِ بَحْرِكَ جُثَّةً
مَنْزُوعَةَ الأَحْلَامِ وَالأَلْوَانِ

مَنْفِيَّةَ الأَوْجَاعِ مُرْهَقَةَ الْخُطَى
عَيْنَاكَ فُلْكِي وَالْهَوَى رُبَّانِي

قَدْ أَنْتَهِي كَالْجَمْرِ بَاغَتَهُ الْهَوَا
قَدْ أَنْطَفِي لَوْ كَانَ فِي إِمْكَانِي

لَكِنَّنِي عَنْقَاءُ بَاعَتْ عُمْرَهَا
لِسَذَاجَةِ الأَقْدَارِ وَالنِّيرَانِ

ترف القصائد أنجبته حرائقي
تعب الخطى وتناسل والأحزان

مذ صار صوتي غصة لا تَنْتَهِي
والشعر معقود برأس لساني

يَا سَيِّدَ الوَجَعِ القَصِيدِ تَمَنَّ لِي
أَنْ أَتْرُكَ الوَجَعَ الَّذِي أَغْرَانِي

وَأَعُودَ بَعْدَهُ طِفْلَةً بَرِّيَةً
عُمْرِي تَرَاتِيلٌ وَقِنْدِيلَانِ

مَازَالَ بَحْرُكَ يَقْتَفِينِي صُدْفَةً
مَازِلْتُ أَسْبَحُ فِيكَ كَيْ أَلْقَانِي

مَا زَالَ طَيْشُ البَوْصَلَاتِ يُبِيحُنِي
لِلْمَوْجِ وَالإِعْصَارِ وَالطُّوفَانِ

مَا كِدْتُ أَعْرِفُ أَنَّنِي غَرْقَى هُنَا
حَتَّى أَضَاعَتْ حُضْنَهَا شُطْآنِي

مَا كِدْتُ أَعْرِفُ وِجْهَتِي وَغَرَابَتِي
حَتَّى مَضَى مِنْ غُرْبَتِي عَامَانِ

عَامَانِ مَرَّا كُنْتَ بَعْضَ وَصِيَّةٍ
قد عُلِّقَتْهَا هدأةُ الجدران

فِي كُلِّ رُكْنٍ أَلْتَقِيكَ مُغَادِرًا
أَوْ غَادِرًا أَوْ عَاتِبَ الوِجْدَانِ

هَا جِئْتُ لَيْلَكَ قَدْ تَقَاسَمَنِي الظَّمَا
وَالْحِلُّ وَالتَّرْحَالُ يَنْسَحِبَانِ

لَا الشَّمْسُ أَسْدَتْ لِلطَّرِيقِ وُعُودَهَا
لَا مَاؤُكَ العَذْبُ الفُرَاتُ سَقَانِي

هَذَا مَتَاعُكَ يَسْتَبِدُّ بِوِحْدَتِي
مَا أَتْعَسَ الذِّكْرَى وَمَا أَشْقَانِي

التِّبْغُ وَطَّنَ فِي الرَّمَادِ حَقَائِبِي
والعِطْرُ شَرَّدَ خُطْوَتِي وَنَفَانِي

لَوْ أَنَّ لِي قَلْبًا يُطَاوِعُ مَنْطِقِي
لَحَجَزْتُ تَذْكَرَةً إِلَى النِّسْيَانِ

مَا عَادَ لِي وَطَنٌ يُرِيحُ خَرَائِطِي
كُلُّ الْمَدَامِعِ مَوْطِنِي وَمَكَانِي

سَأَظَلُّ أَمْشِي قَدْ يُعَاكِسُنِي الحَصَى
فَالْخَطْوُ أَنْتَ وَوِجْهَتِي أَحْزَانِي

© 2024 - موقع الشعر