وقال مسعود الحكيم - محمد الفيتوري

كانوا وكان هناك
كاد يفض سر عذابه للآخرين.. ولم يكد
وكأنما انطبقت توابيت الكلام على الشفاه
هي كلمة نبوية
لو قالها، يا ويلتاه
لتصدع التاريخ بين يديه
وارتطمت على قدميه تيجان الطغاة
***
كان الذين أتوا من الماضي
يعانق بعضهم بعضا
ويمضي في اضطراب الموج
أو يصطف عبر شخوصه المتبرجات هناك
كان الزعتر الجبلي
والزقوم يدفن رأسا قلقا
وأغصان الأراك
وفراشة ذهبية
تعلو وتهبط في الشباك
واتوا يدوسون المدائن
قال مسعود الحكيم:
-الشمس زهرتنا التي انسكبت على جسد الجنوب
وأنت زهرتنا التي انسكبت على أرواحنا
فادفع شراعك صوبنا
كي لا تضيع..!
وافرد جناحك في قوافلنا
إذا اشتد الصقيع
واحذر بكاء الراكعين الساجدين لديك
إن الله في فرح الجموع
واخجل.. إذا هطلت عناقيد الدموع
وكان للكلمات ريش الطير
والفقراء كانوا يدفنون رؤوسهم
في صوت مسعود الحكيم
***
وقال للرجل الذي استولى
على فلك النجوم:
لمن أتيت إذن؟
وأنت كما ترى
حجب، وأبواق مذهبة
وعصرك في يديك
لمن أتيت إذن؟
وقد تداخلت البراقع في البراقع
واستوى الماشون في الإعصار
واختلطوا لديك
لمن أتيت؟
وأنت تنقضهم، وتغزلهم
وتنقضهم.. وتغزلهم
وتعقد حاجبيك..
إعلم بأن قماشة الأيام
من خيطان غزلك
وهي ضافية عليك
اسمع ولا تغضب
أو اغضب كيف شئت..
أصابع الفقراء، مثل حرائق التاريخ
تشعل نارها أبدا
وتسكن جانبيك
***
وقال مسعود الحكيم:
-وحق علمك بي..
وحكمتك التي هي بعض جهلي
إنني استبقيت أيامي عليك
وأنت تعرف أنني استبقيت أيامي عليك
فأنت في لوح البهاء السرمدي
حكاية قمرية
تحلو قراءتها لمثلي
***
كان يا ما كان
في الزمن الطريح على فراش الموت
كان فتى من الصحراء
يدخل ظل خيمته ويحلم
كان يحلم
كان يحلم
ثم تمتد على الآفاق في عينيه
رؤيا الانعتاق
لم يكن ثمة إلا السر والسر
وغيم أزرق
يحجب بوابات فزان
وخمس من رفاق
لم يكن ثمة في فزان إلا لؤلؤ النخل
وياقوت الينابيع العتاق
وشفاه هي بين الله والأرض وثاق
***
كان يا ما كان..
لكن الفتى الحالم بالبرق وأقواس الغمام
كان يبدو مثل من لوحة العشق
وأضناه الغرام
كان مسكونا بأشباح الظلام
وبأجيال على أرصفة القهر تنام
***
كان يا ما كان..
واسترسل مسعود الحكيم
في حكاياه عن الأحياء والموتى
وأبطال الأساطير
وغنى مثلما كان يغني من قديم:
أيها الصاعد نحو الشمس
كم من صاعد قبلك
كم من صاعد بعدك
في أرجوحة الكون العظيم
فتعلم، وتعلم
أن إشراقه أيامك في إشراقة الناس
وأن القهر موت يسكن القاهر
والبغض رماد الروح
والظلم عقيم
وتعلم..
أن عدل الله في الأرض..
وفي الناس مقيم
الرباط 1987
© 2024 - موقع الشعر