عندما تكون على مشارف الخمسين - قاسم حداد

عندما تكون على مشارف الخمسين
 
وتجد نفسك واقفاً بيدين فارغتين أمام مستقبل غامض بالكاد يبدأ مكتظاً بالمحتملات الكئيبة فتبدو كمن قطع الطريق كله من ذلك الأمل ليصل إلى هاوية
 
فترفع عينيك لخشبة الباب الشاهق
 
تقول له : افتح
 
ويفتح
 
فلا تجد غير السديم
 
فإذا أنت في حضرة الخلق من أوله
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
 
بعد خمسة عشر كتاباً وأسرتين وأحفاد وشيكين وجسد معطوب و زنازن كثيرة ونصوص ملطخة بحبر القلب ومخطوطات خمس في خزانة الروح وأصدقاء يهددونك بالفقد وليال محتدمة بالكوابيس ومشاريع قيد الخرافة وأنت لا تكاد تطمئن لما بعد الغد
 
كيف يتسنى لك أن تكون محسوباً على البشر دون أن تصاب باليأس
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
 
وترى بين يديك ركاماً من الأحلام المغدورة وشظايا المجابهات تضرج جسدك الواهن والوطن يقف على رصيف الذاكرة نصفه في وهم الجغرافيا ونصفه في حلم التاريخ لا يستدير إليك إلا لكي يفتك بما تبقى في ذبالة روحك من زيت الناس فتكاد تجهش لفرط الخسارة ولا يكاد يسمعك غير غب
 
ماذا تسمّي كتابك القادم إن كان ثمة وقت له
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
 
وتدير رأسك في وطن يختلط عليك بملامح الثكنة لا يسمع قصيدتك ولا يصغي لنحيبك ولا تنتابه التفاتة الغريب للغريب وطنٌ وضعته زينة على جسدك المرضوض فوضع لك النصال تسند خاصرتك لتبدو مثل خيال المآتة في حقل خرّبته الرياح السود تدير رأسك فلا ترى غير المسوخ تسد عليك ا
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
 
وتلتفت خلفك فلا ترى غير الأنقاض كأن العمر الذي أسرفته في الأمس لم يكن يمضي إلا في خراب مستعجل وكأن الطريق الذي منحته القناديل من لحمك وعظمك وبياض عينيك لم يكن غير سرداب مشحون بالأشباح ظننت أنها الناس معك،
 
فإذا بهم اليأس عليك
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
 
وتحاول أن تحصي أفراحك فلا يسعفك الوقت ولا يسعك المكان تسند ظهرك في جحيم وتحدّق في جمرة وينتابك الدوار لفرط المسافة التي اختلجَ بها جسدك وتشظّت بها روحك وتاه القلب منك
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
 
وتصاب بالشك في شمس أيامك .
 
ترى هل سيتاح لك من العمر ما يكفي
 
لكي تعيد قراءة مسودة كتابك الأخير قبل القبر ؟
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
 
ستتمنى أنك لم تزل تقع في خطأ الحساب
 
عندما تكون على مشارف الخمسين
© 2024 - موقع الشعر