أتاريخ كلمة - فدوى طوقان

إلى الصديق "ي"
تحبني؟
صديقي المقرب الأثير
صداقة حميمة تشدني إليك من
سنين
ودك ذاك الهادي الحنون كم أحبه
أحبه يظل نسمة رخية العبور
تندى على روحي المبعثر الكئيب كلما
تعثرت خطاي في مفاوز الدروب
تحبني؟ تاريخها عندي قديم
قبلك من سنين، من سنين
نشدتها، بحثت عنها في طفولتي
نشدتها إذ كنت طفلة حزينة
مع الصغار
عطشى إلى محبة الكبار
وكنت أسمعم النساء حول موقد
الشتاء
يروين قصة الأمير إذ أحب
بنت جاره الفقير
أحبّها؟.. وترعش الحروف في
كياني الصغير
إذن هناك حب؟
هناك من يُحب، من تحب!
وكان قلبي الحزين، قلبي الصغير
ينطوي على جفافه، على ظماه
ويسأل الحياه
عن دفقة من نبع حب
وكانت الحياه
بخيلة، بخيلة، أواه ما
أقسى تعطش الصغار حين ينضب
الحنو في الكبار، حين لا
يُسقي الصغار قطرة من نبع حب
وحين فتحت براعمي وأمرع الصبّي
وضمّخ الحواء بالعبير
عرفتها في شعر "عروة" الحزين
وعشتها في شعر "قيس" في
رؤى "جميل"
كم هزني تدفّق الشعور في قلوبهم
كم عشت حبّهم، حنينهم، عذابهم
كم قال لي قلبي الحزين:
"ما أسعد الأحباب رغم ما يكابدون
"كم يغتني الإنسان حين يلتقي
"هناك من يحبه، كم يغتني"
ولم يكن هناك من يحبني
وعاد من غربته أخي الكبير عاد
إبراهيم، كان قلبه الرحيم، خيّراً كبير
وفيض حبه غزير
ولفني أخي وضمّني إلى جناحه
هنا استقيت الحبَّ وارتويت
هنا استردت ذاتي التي تحطمت
بأيدي الآخرين
بناءها. هنا اكتشفت من أنا
عرفت معنى أن أكون
ومات من أحبني
مات أخي الذي أحبني ولم يكن
هناك من أحبني سواه
ومرّت الأيا يا صديقي
جديبة، مطمورة بالثلج، بالأسى
وقلبي الوحيد ينطوي على
جفافه، على ظماه
وعاد قلبي الوحيد يسأل الحياه
عن دفقة من نبع حب
عن دفء قلب
وراحت الحياه
تعطي، فقد أحبني الكثير
أحبتني الكثير غير أنني
بقيت عطشى دونما ارتواء
كأنما كان الذي بلغته سراب
سمعتها كثير
وخلتني أعيشها، وكنت إنّما
أعيش وهمها الكبير
ولم أزل أطوّف الآفاق خلفها
أغوص في البحور
أبحث في الأعماق، في الوجوه
في العيون
وكنت في يأسي أمد خلفها اليدين
أود لو بلغتها، لمستها
حقيقة، شيئاً يمس صدقه
بالراحتين
كانت سراباً في سراب
كانت بلا لون بل مذاق
الحب عند الآخرين جف وانحصر
معناه في صدر وساق
حبٌ بلا دفء، بلا روح، بلا حنان
سمعتها كثير
وعفت زيفها الكبير
كانت مطلاً لي على حقارة، علي
تفاهة، على مراراتٍ آخر
كانت قناعاً يستر الصقيع
والخواء في البشر
لا لوم يا صديقي
إنسان هذا العصر قاحل فقير
تآكلت جذوره، تسطّحت أبعاده
سدى نريد الحب أن ينمو ولا
أعماق، لا جذور
تحبني؟
لا، ردها.
دع لي صديقي ودك الكبير
أعب من حنوه في دربي الطويل
وأحتمي بظله الأمين كلما
تعبت، كلما هربت من جفاف
دربي الطويل
دع لي صديقي ودك الكبير
© 2024 - موقع الشعر