قصيدة الصديق كمال ناصر - فدوى طوقان

من الأعماق
الى صاحبة قصيدة
الى المغرد السجين
لئن جاء شدوي حبيب الصدى
يوافيك رغم أنغلاق الرحاب
فذاك لآني نشرت جناحي
يعانق في جانحيك العذاب
ويجمعني فيك سوء المصير
وما ضمنا في الأذى والمصاب
كما تحتويني بك الذكريات
وطيب الآماني، وبيض الرغاب
أتاني كتابك يا أخت روحي
فصافحت روحك فوق الكتاب
وهشت جراحي له واستفاقت
خيالات امسي تخط الجواب
بلى انني ذاكر، ذاكر
عشايا الاخاء، ولهو الصحاب
تظللنا ظلة الياسمين
جناحان من لذة واكتئاب
ونسمر حتى يجن الحديث
على حلم هاجع في السراب
رؤى الموت تنساب من حولنا
تصيح بنا في ربيع الشباب
فنأسى ونضحك من أمرنا
وبين المأقي دموع الدعاب
بلي، انني ذاكر، ذاكر
وقد أمرع الزهو فينا وطاب
وشعرك أشهى من المستحيل
يطاول في المجد شم الهضاب
طليق كأنك على كل ثغر
تدلين كالسحر بين الكعاب
لشعرك وقع السنا في بلادي
يهدهدنا بالنى والرغاب
فتصحو على دمدمات الكفاح
وتخفق بين القنا والحراب
أنا مثلما شئتني أن أكون
وشاءت لي الحادثات الصعاب
كبير على الذل لا أرتضيه
ولي موطني خالئ في السحاب
اعانق في ربوتيه النجوم
وأختال بين الذري والقباب
أطل على الكون أحيا النضال
وابقى به العمر غض الاهاب
ومن أرضعته النجوم الدراري
سرى في سماء العلى كالشهاب
سفحت دمي فاستفاقت جراحي
تلون صدر الذرى بالخضاب
وأحببت داري، فلذ لقلبي
بلوغ المنى، واقتحام العباب
أتوب معاذ العلى، أي يوم
مضى شاعر للمعالي وتاب
أنا مثلما شئتني أن أكون
تقبلني الشمس رغم الضباب
ويحملني النور في كل درب
فأطوي الغاني، وأطوي الشعاب
وحيدا تواكبني غايتي
وتصلبني شهوتي للغلاب
وأظمأ والكأس في راحتي
تراقص فيها الهوى والشراب
وأعرى وملء شباب الحياة
تمور، وملء إهابي الشباب
أريد الحياة لشعبي الجريح
لتكبر فيه الآماني العذاب
فمن حقه ان يعيش الوجود
ويبنيه حرا عزيز الرحاب
وليس لغير الاله ادعاء
عليه لينزل فيه العقاب
وأنت إذا ما أتاك كتابي
وصافحتني في ثنايا الكتاب
ولامست بين السطور دموعا
تناثر بين القوافي الغضاب
بربك لا تجزعي، فالاماني
لها دمعه في العلا والطلاب
وإن تعتبي فالقلوب الكبار
يلذ لها في الحنين العتاب
غدا ينجني الليل عن روضنا
مهيض الجناح حسير الحجاب
غدا ينفض الشعب أوهامه
وللشعب ظفر رهيب وناب
ملايينه أقسمت لا تنام
وفي دربها موطئ للذئاب
تحن الى الثأئر عبر العذاب
وتحصي الثواني ليوم الحساب
لئنم جاء شدوى حبيب الصدى
يوافيك رغم انغلاق الرحاب
فلابد من عودتي للحياة
ولابد لي في العلى من إياب
اذا هتف الشعب يوما بروحي
اطلت له من حنايا التراب
© 2024 - موقع الشعر