تلميذي البار شكراً! (الدكتور ضياء كمال الدين) - أحمد علي سليمان

فهمتُ قصدك ، نعم الفضلُ والجودُ
إن الذي جئت مأمولٌ ومقصودُ

وما تخيلتُ تلميذاً يؤرّقه
ردّ الجميل ، لأن العُرف مفقود

درّستُ – والله – أجيالاً بُليتُ بها
حتى دهتني عذاباتٌ وتنكيد

والشيبُ أكمل مشوار الحياة أسىً
والوجه غارت – بمرآه - التجاعيد

والعظمُ أوهنتِ الكُروبُ قوّته
وجرْحُ نفسيَ لم يُسعفه تضميد

والرأسُ بالشيب رغم الأنف مشتعلٌ
والقلبُ – من ثِقل المأساة - مفؤود

ولم يعد يحتفي في الناس بي أحدٌ
كأنني - في عِداد الخلق - مفقود

أين الدروس التي علمتُ في جلدٍ؟
وأين نصحٌ ، وإنذارٌ ، وترشيد؟

وأين توصية من بعد تبصرةٍ؟
وأين فقهٌ ، وتفسيرٌ ، وتوحيد؟

وأين توعية زينتْ لسامعها
فلم يَشُبْها – يمين الله – تعقيد؟

وأين ما شِدتُ من جُلى ومَكرُمةٍ
فيكم؟ وأين أساسات وتوطيد؟

وأين علمٌ على التحقيق جُدتُ به؟
اليوم يبكي عليه البذلُ والجود

وأين منظومة الأخلاق ضمّنها
وعظي لكم ، ولها صدىً وتجديد؟

وأين ما صغتُ من تقوى ومن قيم؟
كأن ما صغت تنصيرٌ وتهويد

ألم يكن من كتاب الله منهجنا؟
أم قاد منهجنا – بالأمس – تلمود؟

بُنيّ شكراً على التقدير ، أنت به
شهمٌ ، وسعيُك – للخيرات - محمود

أكرمتني في زمان ما به كرمٌ
وقلّ - في أهله - الأماجد الصِيد

مضى الغطاريفُ ، شيّعنا جنازتهم
ولم يعد - في الورى - الشم الأجاويد

وللمعلم – في الإقصاء - حِصته
حتى دهى عزمَه فقرٌ وتشريد

يا ليت شعريَ كيف الفقرُ جندله؟
فعاش يكويه تنغيصٌ وتسهيد

قستْ عليه ظروفُ العيش ، يحسبُها
يوماً يُزاحمها يُسرٌ وتأييد

ولم يعد يشتهي عيشاً يطول به
والعيشُ مرتصدٌ ، والعمرُ معدود

غاضت شبيبته ، والوهنُ سربله
وغال شوقٌ - لحب العيش - منشود

وضِيقُ ذات يدي وافى بقسوته
كأنني في الدنا – بالبؤس - موعود

بعتُ الجرائد لمّا احتجتُ يا ولدي
كي لا أمُد يدي ، والأمرُ معهود

وكم أحوقلُ إن ذكرتُ مدرستي
وفي البلية تحدوني المواجيد

مسترجعاً أسِفاً أبكي ، وبي وجلٌ
أما لساني ، فلم يَفتْه تحميد

وكم تُساورُني رؤىً وأخيلة
هل عن يقين أنا - يا ناسُ - محسود؟

وكم يُعنفني جحيمُ أسئلةٍ
هل يَحسمُ الضنكَ هذا القبرُ والدود؟

بُنيّ شكراً - على التكريم - أنت به
أولى ، فمثلك دكتورٌ له كود

أما أنا فمضى صِيتي ومَنقبتي
فهل يُعيدهما مدحٌ وتمجيد؟

ارفع قلادتك التي خُصصت بها
في الجيد ضعها لقد يهنا بها الجيد

تكريمُهم لك تتويجٌ لمنزلتي
كأنني اليوم - يا دكتور - مولود

أما رسالتك الشهبا ، فقد وصلتْ
والكل طالعها ، والنص مشهود

والكل أكبرَ ما صنعت محترماً
هذا الصنيع الذي تأتي الصناديد

والكل أولاك إطراءً وتزكية
وقال: يأتي الذي جئت الأماجيد

والقاعة امتلأتْ – بالفرح - أجمعها
وزاحمتها – على التو - الزغاريد

بُنيّ شكراً – على الأموال – جُدتَ بها
عليّ سِراً ، وقلتَ: الحق مردود

كأنه الدَينُ قد وافى له أجلٌ
والدّينُ يُعقِبُه – لا بد - تسديد

جمعت لي معنويَ الحق في ملأ
وطاب يومٌ بدا ، كأنه العيد

وجدتَ - بالمال - يا دكتور محتسباً
فزايلتْ ساحتي أعواميَ السود

لو بعت عقدين - في شغل - جرائدهم
ما كان في عيشتي القعساء تجديد

لم أدخر عُشر ما أعطيتني رؤفاً
ولا يُغلف ما أقول تمجيد

كأنما ساقك الرحمن تنقذني
نحن العبيد ، ورب الناس معبود

بُنيّ حُزت الهنا والخيرَ أجمعه
وعشت يحدوك إسعادٌ ، وتغريد

وقاك ربك شُحّ النفس ، إن له
أخذاً يتوق – له - البُلهُ الرعاديد

وعشت عفاً عزيز النفس متبعاً
هديَ الرسول ، عليه العزمُ معقود

ودُمت ترفل - في النعماء - مؤتلقاً
تزف بَذلك – للخير - الأغاريد

هذي الوصية ، فاعمل يا طبيبُ بها
وكل لفظٍ بها – للخير - تمهيد

وبين مرضاك محتاجٌ ومبتئسٌ
أوصيك خيراً به ، والنصحُ تجريد

قدّمه فوراً على سواه مرتجياً
رضا المهيمن ، ولتمض المواعيد

وقم ببذل الدوا لمن – به - عوَزٌ
مرارٌ الفقرُ ، والإملاقُ منكود

والعُرفُ باق ولا يمضي العطاءُ سُدىً
لا يستوي الشح في الميزان والجود

أهل العطاء وأهل الشح ما استويا
وليس يسبق أحراراً عبابيد

للجود خلقٌ به - بين الورى - عُرفوا
ولا يُقنطهم – في الجود - تزهيد

وفي الأنام شِحاحٌ أهلُ مبخلةٍ
فما لهم - في العطا والبذل - مجهود

والناسُ أحبابُ من جادوا ، ومن بذلوا
ولا يحبون من عطاه موءود

© 2024 - موقع الشعر