ا"وحدي مع الأيام" - فدوى طوقان

الصخرة
أنظر هنا،
الصخرة السوداء شدت فوق صدري
بسلاسل القدر العتيّ
بسلاسل الزمن الغبيّ
انظر إليها كيف تطحن تحتها
ثمري وزهري
نحتت مع الأيام ذاتي
سحقت مع الدنيا حياتي
دعني فلن نقوى عليها
لن تفك قيود أسرى
سأظل وحدي
ما دام سجأني القضاء
دعني
سأبقى هكذا
لا نور
لا غد
لا رجاء
الصخرة السوداء ما من مهرب
ما من مفرّ
عبثاً أزحزح ثقلها عنّي
بنسياني لنفسي
كم خُضت في
قلب الحياه
وضربت في
كل اتجاه
ألهو
أغني
في ينابيع الشباب
أعط كأسي
وأعبّ في نهمٍ شديد
حتى أغيب عن الوجود
دنيا المباهج كم خدعت
بحضنها ألمي وبؤسي
فهربت منم
دنيا شعوري
ورقصت في
نزق الطيور
وأنا أقهقه في جنون، ثم من
أعماق يأسي
يرتج في روحي نداء
ويظلّ يرعد في الخفاء:
لن تهربي
إني هنا
لن تهربي
ما من مفرّ
ويهبّ طيف الصخرة السوداء
ممسوخ الصور
عبثاً أزحزحها
سدى أبغى الهروب
فلا مفر
كم جست في أرض الشقاء
أشتفّ إكسير العزاء
من شقوة السجناء أمثالي
ومن أسرى القدر
فولجت ما بين الجموع
حيث المآسي
والدموع
حيث السياط تؤزّ. تهوي
فوق قطعان البشر
فوق الظهور العارية
فوق الرقاب العانية
حيث العبيد
مسخّرون
تدافعوا زمراً
زمر
من كلّ منسحق غرق
بالدمع
بالدم
بالعرق
وبقيت التمس العزاء
من الشقاء
ولا مفرّ
فالصخرة السوداء
لعنه
ولدت معي
لتظلّ محنه
بكماء
تلحقني
يتابع ظلّها خطوات عمري
انظر هنا كيف استقرت
في عتوٍ
فوق صدري
دعني
فلن نقوى عليها
لن تفكّ قيود أسرى
ستظلّ روحي
في انقفال
سأظل وحدي
في نضال
وحدي
مع الألم الكبير
مع الزمان
مع القدر
وحدي
وهذي الصخرة السوداء
تطحن
لا مفر
© 2024 - موقع الشعر