نداء الأرض - فدوى طوقان

تمثل أرضا نمته وغذته
من صدرها الثر شيخا وطفلا
وكم نبضت تحت كفيه قلبا
سخيا وفاضت عطاء وبذلا
تمثل وهو يلوب انتفاضا
ثراها إذا ما الربيع أهلا
وماج يعينيه كنز السنابل
يحضنه الحقل خيرا مطلا
ولاح له شجرالبرتقال
وهو يرف عبيرا وظلا
وهاجت به فكرة كالعواصف لا تستقر
تواكب تلك الطيوف تساير تلك الصور:
أتغصب أراضي أيسلب حقي وأبقى أنا
حليف التشرد أصحب ذلة عاري هنا
أأبقى هنا لآموت غريبا بأرض غريبة
أأبقى ومن قالها سأعود لآرضي الحبيبة
بلى سأعود، هناك سيطوي كتاب حياتي
سيحنو على ثراها الكريم ويؤوي رفاتي
سأرجع لابد من عودتي
سأرجع مهما بدت محنتي
وقصة عاري بغير نهايه
سأنهى بنفسي هذي الروايه
فلابد، لابد من عودتي
وظل المتشرد عن أرضه
يتمتم: لابد من عودتي
وقد أطرق الرأس في خيمته
وأقفل روحا على ظلمته
وأغلق صدرا على نقمته
وما زالت الفكرة الثابته
تدوم محمومة صامته
وتغلي وتضرم في رأسه
وتغلي وتضرم في رأسه
وتلفح كالنار في رأسه
وتفلح كالنار في حسه
سأرجع لابد من عودتي
وفي ليلة من ليالي الربيع الدفيئه
مشى ذاهل الخطو تحت النجوم المضيئه
وراح يدور بأفق خواطره الشاردات
يلاحقهن ويمعن بعدا مع الذكريات
ويبصر يافا جمالا يضيئ على الشاطئ
ويسمع غمغمة الموج في بحرها الدافئ
ويلمح بالوهم طيف القوارب والآشرعه
تقبل وجه الصفاء في الزرقه المترعه
ومرت على وجهه وهو يحلم نسمه
مضمخة بشذى البرتقال تعطر حلمه
وكانت كهمس تحجب مصدره واستتر
كهمس من الغيب وافاه يحمل صوت القدر
وأوغل تحت ضياء النجوم
يمشي ويمشي كمن يحلم
وكان بعينيه يرسب شئ
ثقيل كالامه، مظلم
لقد كان يرسب سبع سنين
انتظار طواها بصير ذليل
تخدره عصبة المجرمين
وترقده تحت حلم ثقيل
لقد كان يرسب سبع سنين
انتظار طواها بصير ذليل
تخدره عصبة المجرمين
وترقده تحت حلم ثقيل
لقد كان يرسب سبع سنين
انتظار طواها بصير ذليل
تخدره عصبة المجرمين
وترقده تحت حلم ثقيل
لقد كان يرسب سبع سنين
طوال المدى عاشها في سؤال:
متى سأعود وكان الجواب
صمتا يمد رهيب الظلال
وما زال يمشي سليب الارادة
تدفعه قوة لا ترد
إلى أين لم يدر. كان الحنين
نداء ألح به واستبد
كأن من الارض، من أرضه
تصاعد يدعوه صوت شرود
يجلجل في قلب أعناقه
ويجذبه ما وراء الحدود
هناك تاهت خطاه، هناك
تسمر عند السياج العتيق
هناك تيقظ وعيا رهيفا
وحسا عجيب التلقي دقيق
وفي نفسه كان يزدحم الدمع
والشوق والسورة المفعمه
ورجع نداء ملح قوي
وموجة عاطفة مبهمه
ورائحة الآرض في قلبه
مزيج حنان ونفح شذي
وللصمت من حوله ألف معنى
يعانق ألف شعور خفي
وأهوى على أرضه في انفعال يشم ثراها
يعانق أشجارها ويضم لالي حصاها
ومرغ كالطفل في صدرها الرحب خدا وفم
وألقى على حضنها كل ثقل سنين الآلم
وهزته انفاسها وهي ترعش رعشة حب
وأصغى الى قلبها وهو يهمس همسة عتب:
رجعت إلي
: رجعت إلي وهذي يدي
سأبقى هنا، سأموتا هنا، هيئي مرقدي
وكانت عيون العدو اللثيم على خطوتين
رمته بنظرة حقد ونقمة
كما يرشق المتوحش سهمه
ومزق جوف السكون المهيب صدى طلقتين
بدا الفجر مرتعشا بالندى
يذرذره في الربى والسفوح
ومر بطئ الخطى فوق أرض
مضمخة بنجيع نفوح
تلف ذراعين مثتاقتين
على جسد هامد مستريح
© 2024 - موقع الشعر