في محراب الأشواق - فدوى طوقان

هذا مكانك، ههنا محراب أشواقي وحبي
كم جئته والدمع، دمع الشوق مختلج بهدبي
كم جئته والذكريات تفيض من روحي وقلبي
يممدن حولي ظلهن، وينتفضن بكل درب
هذا مكانك، كم أتيت إلى مكانك موهنا
تمضي بي الساعات لا أدري بها، وأنا هنا
روح أصاخ لهتفة الذكرى، وللماضي رنا
يتنسم الجوّ الحبيب، ويستعيد رؤى المنى
هذا مكانك، مثل روحي، فيه إحساس كئيب
متحسرٌ.. يصبو إلى الماضي، إلى الأمس الحبيب
متسائل عن شاعرين، هواهما حلم غريب
كم رنحا بالشعر جوهما، ففاض جوي مهيب
هذا مكانك، أين أنت؟ وأين أطياف الفنون؟!
المقعد الخالي يحن إليك مرفقه الحنون..
أسوان، يرمقني وقد أهويت أنشج في سكون
مواجدي ملهوفة الثيران، تهدر في جنون؟
ذنبي الذي قد هاج ثورة قلبك المترفع
كفّرت عنه بأدمعي، بتنهدي بتوجعي
كفرت عنه بما ترى من ذلتي وتخشعي
وبخفض قمة كبريائي الشامخ المتمنِّع!..
ذنبي؟ وما ذنبي ألا ويلاه من ظلم القيود!
ما حيلتي والغل في عنقي على حبل الوريد
أواه، حتى أنت لم تنصف قلبي الشهيد؟!
أواهه، حتى أنت تظلمني مع القدر العنيد؟!
قلبي يئن، يلوب في ألم، يسائل في شرود:
لم لا يعود؟ فلا يجيب سوى صدى: "لم لا يعود"
وأروح، في شفتي أشعار، وفي كفي عود
وأعاتب الأيام.. والزمن المفرق.. والوجود!.
لم لا تعود؟ أنا هنا وحدي بهيكل ذكرياتي
وحدي، ولكني أحسك في دمي، في عاطفاتي
أصغي لصوتك، للصدى المنغوم في أغوار ذاتي
وأراك من حولي، وفي، وملء آفاق الحياة
© 2024 - موقع الشعر