مـع جــحـا - علي صدقي عبدالقادر

في ليالي الزمهرير الممطرة
 
التي خططها البرق، دروباً وقصوراً عائمة
 
ضحك الرعد على أبراجها المرتعشة
 
ضحكة مجروحة اللحن عريضة
 
حول نار المدفأة
 
أعصر الليل بعيني المتعبة
 
جاعلاً ظلمته حبر يراعي
 
جامعاً أطراف هذا الكون والدنيا الكبيرة
 
في يدي هذي الصغيرة
 
ضمن ديوان لشاعر
 
تتملى مقلتي أحرف شعر في قصيدة
 
وجهها يعكس أعماقي البعيدة
 
* * *
 
بين جمر المبخرة
 
تصعد الأبخرة الفيحاء من أعواد طيب
 
تتولى بالفضاء
 
في ثناياها (جحا)
 
يمتطي المهر المجنح
 
عبر أودية الفضاء
 
من دخان المبخرة
 
عمم الرأس بطيب أخضر
 
يرتدي جبته الحمراء تلقي بالشرر
 
حاملاً في يده قوس قزح
 
وهو لا يفتأ في جهر يقول:
 
جئت للدنيا التي خلفتها منذ قرون
 
غادةً تسك في طاسي الفتون
 
ها هي الآن عجوز حيزبون
 
شعرها غابة أشواك، وأنهار صديد
 
فوقها يسبح جلادو السلام
 
ودعاة الحرب أعداء الحياة
 
حسبوا أن بأيديهم مصير الآدمية
 
باحتلال الأرض، باستعمار أبنار البشر
 
وبآلات الدمار النووية
 
يا لهم من تعساء
 
كالخفافيش التي تعمي عن النار، فتقضي في اللهب
 
سلخ الشيطان من أوجههم نطع الدماء
 
ونعالاً للشقاء
 
وحبال المشنقة
 
وبأعينهم المقلوبة الشر استطار
 
فوق أهداب تغطيها دماء وصديد
 
نفخت فيها أعاصير الفناء
 
وبها يحفر إبليس قبور الأبرياء
 
بالأظافر
 
وهنا تفتقد العين (جحا)
 
ثم ألقاه على صاروخه يطوي الفضاء
 
في دخان المبخرة
 
وعلى هامته قبعة تغتسل الأنجم فيها كالحمام
 
وعلى أزراره أقماره الزرق تدور
 
وعلى معطفه بالعروة، الشمس تمطت في كسل
 
تغزل الضوء على نول الطفل
 
ثم يبدو لي (جحا) ينفخ في الصور الكبير
 
يؤذن الدنيا بميعاد النشور
 
ضاحكاً من ذلك القزم الذي بالسلم قامر،
 
قائلاً: ملكي مغاليق المصائر..
 
وتدوي ضحكة ساخرة صفراء من ثغر (جحا)
 
ثم لا تلبث أن تغدو سحاباً ممطراً
 
ناسجاً أسلاك غيث منهمر
 
وأرى عبر دخان المدفأة
 
ساسة الدنيا الكبار
 
وقفوا حول (جحا)
 
بعضهم يلبس من جمجمة القتلى قلادة
 
بعضهم متخذ من شلو قتلاه وسادة
 
بعضهم يشرب من دمع اليتامى
 
بعضهم تشتعل النار بفيه، والعيون
 
بعضهم في شعره تبدو الأفاعي دائرة
 
بعضهم من وجهه الممسوخ يبدو في قفاه
 
وأرى عمي (جحا) يقذفهم في المدفأة
 
مثل أعواد المكانس
 
قذرة
 
في لهيب المدفأة
 
في الجحيم!..
© 2024 - موقع الشعر