قصَّةُ حُبّ - عبد العزيز سعود البابطين

هتَفَ الحبُّ وأغرى بي الهَوى
فتَذَكَّرتُ لقاءً مُذْ سِنينْ

كانَ قلبي طائراً مُرْتعِشاً
في حنايا الصَّدرِ يهفو للقَرينْ

ولِعُشٍّ ضمَّنا يرنو لنا
بالأماني مُفعماتٍ بالحنينْ

ورمالٍ قد جَلَسنا حولَها
نرقُبُ الفجرَ وعِطرَ الياسَمينْ

أينَ منّي عاشِقٌ هدّمَهُ
بُعدُ نأيٍ وبصمتٍ لا يبينْ

وتناءى والهوى جَمْرَتُهُ
تَتلظّى في رمادٍ مُسْتَكينْ

كيفَ ذكرايَ حبيباً ناسياً
قصَّةَ العهدِ ثوى بين الجُفونْ

قصَّةَ الحبِّ الذي عشنا لَهُ
فانطوى كالطَّيفِ في وَمضِ العُيونْ

أينَ منّي هَمَساتٌ خِلتُها
خُلّدَتْ كالشِّعرِ في طيِّ القُرونْ

وأمانٍ طوَّفَتْ بي في دُنىً
ساحراتٍ نابضاتٍ باللُّحونْ

وأغانٍ قد سَمَتْ أنغامُها
فتَعالتْ بِسَماءِ العاشِقينْ

ولقاءاتٌ تَعالى سِرُّها
في ضمير العِشقِ تنأى بالظُّنونْ

وعهودٌ جَدّدتْ عهدَ الهوى
لم يُشِبْها البَيْنُ أو زيفُ اليمينْ

أينَ منّي نظراتٌ أشعَلتْ
مُهجتي بالوجدِ أو لذعِ الجُنونْ

ألجَمَتْ فكري فأغضى تائِهاً
في شِعابِ الصَّمتِ يَرضى بالسُّكونْ

كُلُّها ولّتْ بِبينٍ ظالِمٍ
وتناءتْ في متاهاتِ السِّنينْ

غيرَ ذكرى من وَفِيٍّ خافقٍ
يَصحَبُ الحزنَ شقيّاً والأنينْ

قلتُ يا فجرُ تعهّدتَ الهوى
واثقَ الخطوِ وقد كانَ جَنينْ

كيفَ رؤياكَ حبيباً قد نأى
ما وَفى للحبِّ أو عهداً يَصون

فأجاب الفجرُ في هدأتِهِ
وخيوطُ النّورِ تَسري باليَقينْ

إنَّ مَن غابَ وأخلى قلبَهُ
من ضِرامِ الحبِّ للعهدِ خَئونْ

غيرَ أنَّ النأيَ قد يُبقي اللَّظى
في سعيرٍ لا يَني أو يَستكينْ

وأراكَ الآنَ مشبوبَ الجوى
مُستثارَ اللُّبِّ إلْفاً لِلشُّجونْ

مُكفهِرَّ اللَّيلِ في حضن الأسى
مُوحِشَ الصُّبحِ حليفَ البائسينْ

ترقُبُ الأيَّام َتمضي عَبَثاً
مُوحِشاتٍ خِلتُها ليلَ المَنُونْ

قلتُ يا فجرُ تناسَتْ حُبَّنا
وأباحَتْني لكيدِ العاذِلينْ

مَزّقتْ وصلاً وعاثَتْ بالمنى
هَزَأتْ بالحبِّ أسمَتْهُ الجنونْ

بدَّدتْ حُلْمي وأبقَتْ يقظَتي
آخرَ اللَّيلِ فعِفتُ الحالمين

أتمنّى لو أتاني طَيفُها
إنْ أُتيحَ الغَفْوُ حيناً بعدَ حينْ

أشتَهي اللُّقيا خيالاً بعدَما
حَجَبَ النأيُ لِقاءاتِ العُيونْ

يا زماناً فيهِ ينمو زهرُنا
ويَضوعُ الصَّفوُ عطرُ الياسَمينْ

وتُغنّي فيه أطيافُ المنى
بأغاريدِ الهوى تَشفي الحزينْ

كلُّ ما كانَ جمالاً في الدُّنى
بينَ خدَّيْها وما تحتَ الجَبينْ

وتُناغيها نُسيماتُ الصَّبا
وردَةُ الرَّوضِ توارَتْ في الغُصونْ

وأفاقَ الفِكرُ منّي بَعدَما
أهرَقَ الذِّكرى على أرضِ اليَقينْ

قلتُ كالظّامي وقد جَفَّ فَمي
وبِصوتٍ فيهِ نَوحُ المستَكينْ

عُذّبَ العُمرُ فيا ويحَهُمُ
ليليَ العادي وقلبي والشُّجونْ

© 2024 - موقع الشعر