نسيم

لـ محمود أحمد العش، ، في الرثاء، 5

نسيم - محمود أحمد العش

نسيمُ الليالي عادَ يَعبُرُ خافِقي
فأوقدَ جُرحًا في فُؤاديَ سالِ

ذكرتُ هَواهُا والحنينُ مُلَثَّمٌ
يُسافرُ بي في موكبٍ من خَيالِ

عَرَفتُ سُهادِي في عُيونِك مُذ نَأَتْ
وبَاتَت أمانيَّ الضّعيفَةُ تَالِي

أُحاوِلُ نَسيانَ الهوى، فَيُراوِغُ ال
أسى خاطِري ويُقيمُ دونَ زَوالِ

سَأَروي لكم عن شوقِ قَلبٍ مُتَيَّمٍ
وعن وَجهِ مَن سَكَنَ الفؤادَ الحَلالِ

هُناكَ نَعِمتُ الحبَّ طِفلًا وضاحكًا
وَفي الدّارِ عزفُ الوَصلِ أندى مِثالي

أنا وَحَبِيبَتِي وَعِطرٌ بِوَردَةٍ
وَشمسُ الرُّبى تُزجي السَّنى لِجِبالِي

فإن لم تُصدّقُوا، اسألوا بابَ دارِنا
هُنالِكَ تبكي غُصَّتي في المِقالِ

تَذكّرتُ عهدَ الطُّهرِ والوجدِ ناصعًا
وأعددتُ للمَهرِ الزُّهورَ الخِصالِ

وَفي ليلةٍ بيضاءَ هبّت نُسيمُها
أتاني نذيرُ الموتِ من غيرِ بالِ:

"فَتِلْكَ التي يَهوى فؤادَك قد قضَتْ
قبيلَ وصالٍ... خانَ وعدَ الليالِ"

أيا قومُ، كيفَ ارتضيتم خُسارَتي؟
كفى هَزلَكم! قلبي أشدُّ احتمالي!

فَكَيفَ تموتُ؟ وهي نَبضُ قصيدتي
وصَوتي إذا ضاقَ الزمانُ بمآلي!

تَرجّيتُهم، والدمعُ خَرَّ على المدى
وأبكَتْ خُطايَ الأرضَ يومَ انفعالي

جَرَيتُ كمن قد ضاعَ منهُ يقينُهُ
وناديتُ بابَ الدارِ صوتَ سُؤالي

وَقَفتُ، وخوفي بينَ ظلّي وخُطوتي
يُخاصِمُ صَبري صَارخًا في جِدالي

دَخَلتُ، فهالَ القلبَ صوتُ نِحيبِهم
كأنَّ من الدارِ اشتَعَلنَ مِرْجَالِي

فَحُبِّي، أما تُبصِرينَ اشتياقَنَا؟
أنا مَن نَذَرتُكِ في الرُّبى والكَمالِ

أجيبيني، إنّي بتُّ وحدي كغارِقٍ
يُقاسي ضياعَ العمرِ بعدَ اتّصالِ

نَذَرتُ فُؤادي أن يُخلِّدَ ذِكرَكُمْ
وتبقى خطايَ على الدُّجى في نِزالِ

لِماذا تركتِنِي؟ أجيبِ، فإنَّ لِي
سَؤالٌ بَكى... في حضنِ صَمتِ الجبالِ

© 2025 - موقع الشعر