لماذا خذلتني يا أبتاه؟! - أحمد علي سليمان

يا أبي ، الخُذلانُ أودَى بالظفرْ
عِبرة صَيَّرتني بين البشرْ
خِرت لي ، واخترتُ أخرى زوجة
وفقَ تشريع المليك المقتدر
لم تكنْ لي خِبرة أحيا بها
كي تُنِيرَ الدربَ لي بين البشر
غرَّني فيها التزامٌ ظاهرٌ
واحتشامٌ واحترامٌ مُدخر
وأبوها غرَّني تفكيرُه
ومِن السحر كلامٌ وفِكَر
يَنثرُ الآيات دُراً خالصاً
والأحاديثَ بها شتى العِبر
كم سبا عقلي بأمثال زكَتْ
وبمأثور على الخير اقتصر
كم تلا من قصةٍ وَعظيةٍ
تركتْ في النفس مِعطارَ الأثر
كم حَبا نصحاً له تأثيرُه
في فؤادٍ بالوصايا ينزجر
كم بكى الإسلامَ غابتْ شمسُه
وقلا الأصقاعَ مِن خالي العُصُر
كم لدى أشياخ علم قد سعى
باذلاً مالاً وجُهداً في السفر
كم مِن الأسفار ذاكرنا معاً
وقطفنا مِن مَغانيها الزهر
كم فتاوى أشرقتْ في دربنا
والبشاراتُ بها خلفَ النذر
وله استسلمتُ مُنقاداً إلى
ما ارتآه ، لم أعِدْ فيه النظر
ظلَّ مَخبوءًا يُواريه الصدى
والصدى أعمى فؤادي ، واستتر
قال ليْ الأصحابُ: حاذرْ مَكرَهُ
لا عبٌ هذا ببيض والحجر
حاجبٌ يَسطو ، وعينٌ تجتني
فاصطحبْ إنْ تلقه كلَّ الحذر
وادرس التاريخ تعرفْ سِره
كم حوى تاريخه أخزى السيَر
غيرُ خافٍ عنك ماضيه الذي
نفّرَ الأفرادَ منه ، والزمَر
وأنا غلّبتُ رأيِّي والهوى
وظنوني أسلمتْني للخطر
وابنة الدهقان هذا مَثلتْ
دَورَ (ليلى) في هواها المُستعر
وارتضتْ شرطي ، وأبدتْ حُبها
وفؤادي بالتباشير انبهر
قبلتْ بالستر ثوباً سابغاً
واستجابتْ لوَصايايَ الغرر
لم تُجادلْ في الذي أمليتُه
من أمور مُلزماً أن تأتمر
واختبرتُ في التلاقي عزمَها
واختباري صِيغ في بعض الصور
وارتضاني الكل خِلاً وافياً
صُحبة مُثلى ، ووُدٌ مُبتشر
والزواجُ الشؤمُ راجتْ سُوقه
وقضاءُ الله وافى ، والقدر
والبلاءاتُ ابتدا مشوارُها
وإذا العُرسُ مَشُوباً بالضجر
يَشهدُ المولى دَهتْني كُربة
واعترى نفسي مِزاجٌ مُعتكر
غلّبَ الصِّهرُ الهوى مستكبراً
هل عليَّ استكثرَ الباغي السمر؟
فتنة شبَّتْ ، وزكى وقدَها
مُعْقِباً في القلب أوشاظ السعُر
واشتهى إذلالَ حُرٍّ ما اعتدى
وإلى قعر النكايات انحدر
وانبرى في الناس يُخفي كيدَه
قائلاً: زوج ُابنتي فليعتذر
قلتُ: كلا ، يا عنيداً ، والذي
خلق الدنيا ، وبالتقوى أمر
ثم سافرتُ ، فكانت فرصتي
ولدى الأعراب قد طال السفر
والنسيبُ احتل بيتي عامداً
في يدٍ لؤمٌ ، وفي الأخرى دَبَر
وتخلى والدي عن عِشرتي
لم يكنْ لي من لظى الخذل مَفر
هل رأيتُم والداً يُردي ابنه
بصنيع بعده ولى الظفر؟
لم أقصِّر لحظة في حقه
بل بذلتُ الخيرَ ، واستقصُوا الخبر
هل ودادٌ بنقودٍ يُشترى؟
هل بمال أي كَسْر يَنجبر؟
صِرتُ نهباً للضواري غِيلة
وحقوقي أهدِرتْ بين الأسر
يا أبي أسلمْتني مستغنياً
فسقاني الكيدَ كذابٌ أشِر
بدَّدَ الأموالَ إذ أرسلتُها
عَله يُزجي الجميلَ المعتبر
عَله يُهدي لبنتٍ رَدَّ ما
قدَّمتْ ترجو مِن الله الأجُر
وأنا راجعتُ صِهراً مُغرضاً
عَله يَخزى ، ويَدري ما بدر
لكنِ الصهرُ تمادى في الجفا
بائعاً وُدِّي ، وغالى ، واحتقر
قيلَ لي: راجعْ أباً مستهتراً
مَلّكَ الأرضَ لمن فيها اتجر
قلتُ: أعطاكم حساماً قاصلاً
كي تنالوا من بريءٍ مُصطبر
كنتُ أحرى أن يُواليْني أبي
بجدال مُثمر يَقضي الوطر
يَبذلُ النصحَ ، ويُبدِي رأيَه
قائلاً: فكِّرْ ، وراجعْ ، واستخر
مبدياً وَعياً وحِرصاً حانياً
كي يُعيد العقلُ في الرأي النظر
ذاكراً فيما يرى تعليله
عندما التغريرُ قد أعمى البصر
رغم خذل هدَّني بين الورى
أنت في حِل وأمي ، فابتشر
لكنِ الصهرُ له يومُ الجزا
بيننا فيهِ سيَقضي المُقتدر

مناسبة القصيدة

(ككل شاب في الدنيا ، اختار عروسَه وشريكة حياته ذلك الشاب المسكين ، على كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -! وكان ضحية طلب أبيها منه الزواجَ من ابنته! ووافق ذلك رغبة كانت عنده ، ولكنه لم يكن يستطيع أن يجهر بها لقصور ذات اليد! وكانت لأبيه رؤية صحيحة ودقيقة في هذه الزيجة وتلك الزوجة وذلك النسب! ولكن لقصور عقله وضيق أفقه وجهله المطبق وغشمه المحدق ، لم يستطع الأب توصيلَ فكرته ورأيه لولده ، رغم أن ابنه شخصية شورية عقلانية تزنُ الأمور وتستمع للآراء! واستمر الابنُ لا يرى بالكتاب والسنة والعلم النظري المجرد ، ما ارتآه أبوه بالحياة والخبرة والتعايش! وكانت خِبرته في الحياة ومعرفة الناس قليلة! واعتبرَها الابنُ بقصور فهمه جهاداً في سبيل الله تعالى! وحضر والده مجلس عقد الزواج بجسمه ، لا بعقله ولا بعاطفته ولا بإحساسه! ووقع على العقد بأنامله ، لا برضاه ولا باقتناعه! وأدرك الصهر المراوغ المخادع عدم التوافق والانسجام بين زوج ابنته وأبيه! فاستغل ذلك النسيبُ المُغرضُ الجبانُ هذا الاختلاف في وجهتي النظر - والذي نتج عنه العنادَ ، في أن يَستأثرَ بالعريس الضحية الساذج المخدوع! وكان العريس المسكين يقتل نفسه بسكين باردةٍ وهو لا يشعر! واستمر الأب على موقفه في العناد والتأبي! ولم تكن بادرة واحدة من الأب الجاهل الغاشم في مراجعة حساباته ومعرفة السبيل إلى عقل وقلب ولده ، كما لم تكن بادرة من الصهر الغبي المَعتوه في أن يُصلح بين عريس ابنته وأبيه! ودفع ابنُ الأول وابنة الثاني ثمن هذا الخذلان والإغراض! وخذل الوالد ولده ، وأسلمه عامداً متعمداً مع سبق الإصرار والترصد ، لذلك الصهر المُغرض ليصنع به ما يشاء! وبعد زواجهما ، دخل الابن بعروسة بوتقة صراع مرير بين العائلتين ، يزيد على الصراع الذي كان بين داحس والغبراء ، وبين البكريين والتغلبيين في حرب البسوس! ودفع الابن البائسُ الثمنَ غالياً ، دفعه من دمه وأعصابه ، ومن سُمعته وعِرضه ، ومن ماله وحياته! فكتب رسالة عتاب لأبيه يسأله قائلاً: لمَ خذلتني يا أبتاه؟! ولم بعتني بلا ثمن ، لهذا الصهر الغشيم الجاهل المُغرض؟ أما كان ينبغي أن تنصح لولدك وتُبين له ، وتكشف المستور من الغوامض والأسرار بصدق؟! أما كان عليك أن تُعدد المحاولات في أن تُقرب ولدك إليك كي لا يكون ضحية لغدر وغشم ومكر صهر ، لم يدخل العدل ولا الشفقة ولا الرحمة قلبه يوماً؟!)
© 2024 - موقع الشعر