تخميس قصيدة الشيخ أبى مدين التلمسانى المغربى فى آداب التصوف - محمد عمر عثمان

تخميس قصيدة الشيخ أبى مدين
التلمسانى المغربى فى آداب التصوف

يَاقَاصِداً مِن مَقَامَاتِ العُلَا وطَرَا
وراغَبَاً فِى طَرِيقٍ فَضلُهُ ظَهَرَا

إسمَع كَلَامِا صَرِيحَاً طَيِّبَاً عَطِرَا
ما لذَّةُ العيشِ إلّا صحبةُ الفقرا

همُ السلاطينُ والساداتُ والأمرا
قُومٌ تَحَلَّو بِزُهدٍ فِى مَعَايِشِهِم

والصُّوفُ يَبدُوا جَلِيَّاً فِى مَلَابِسِهِم
وَقُلُوبُهُم فِى تَجَافِى عَن وَسَاوِسِهِم

فاصحبهُمُ وتأدَّب فى مجالسهِم
و خلِّ حظَّك مَهما قدَّموكَ ورا

وسِر إِلَيهِم وَزُرهُم فِى مَوَاضِعِهِم
واطلُب لِنَفسِكَ حَظَّاً مِن مَنَافِعِهِم

واحذَر سَمَاعَ مَقَالٍ مِن مُنَازِعِهِم
واستغنم الوقتَ واحضر دائماً معهم

واعلم بأنَّ الرضى يَختصُ من حضرا
وَلَازِمِ الصِّدقَ فِى هَذَا الطَّرِيقِ تَصِل

وإِن أَطعَمُوكَ فَكُل أَو أَكرَمُوكَ فَسَل
وِإَن قَرَّبُوكَ فِصِل أَو أَبعَدُوكَ فَزُل

و لازِم الصمتَ إن سُئِلت فقُل
لا علم عندى وكُن بالجهلِ مستتِرا

ولَاتَكُن لِذَوِى الأَعْذَارِ مُنتَقِدَاً
وَلَاتَكُن لِصَرِيحِ النُّصحِ مُفتَقِدَاً

ولَاتَكُن ظَالِمَاً بَينَ الوَرَى أَحَدَاً
ولاتر العيب إلا فيك معتقدا

عيبا بدا بينا لكنه استترا
والزَم طَرِيقَ أَمانٍ مِن رَدَى العَطَبِ

و لَا تُفَارِق طَرِيقَ العِلمِ والأَدَبِ
تَنَل بِسَعيِكَ مَا تَرجُوهُ مِن إِرَبِ

وحُطّ رأسك واستغفر بلا سببٍ
وقُم على قدم الإنصافِ معتذِرا

النَّفسُ مِنْكَ عَلَى حُسنِ الخِصَالِ أَدِم
و العينُ مِنْكَ إِذَا جَاءَ المَنَامُ أَنِم

فَكُلُّ مَن فَاتَهُ وَصلُ المَنَامِ نَدِم
وإن بدا منك عيب فاعترف وأقم

وجه اعتذارك عما منك فيك جرى
بِهِم تَعَلَّق وَقُل جُودُوا بِنُصحِكُمُوا

أنَّى سَقِيمٌ و مُحتَاجٌ لِطِبِّكُمُوا
وَقِلبِى حَزِينٌ وَمُحتَاجٌ لِعَطفِكُمُوا

وقل خويديمكم أولى بصفحكمو
فسامحوا وخذو بالرفق يافقرا

لاتخش منهم إذا أخطات همتهم
تَدعُوا إِلَى الحِلمِ والعَفوِ وفطرتُهُم

سَلِيمَةٌ و صَفَاهَا هُوَ عَلَامَتُهُم
هم بالتفضُّلِ أولى وهوَ شيمتُهُم

فلا تخف دركاً منهُم ولا ضَرَرا
إِذَا أَرَدتَ بِهِم يَاصَاحِبِى مَدَدَا

كُن فِى سُلُوكِ طَرِيقِ القَومِ مُجتَهِدَا
وَلَاتَكُن فِى مَجَالِ السَّيرِ مُنفَرِدَا

وبالتغنى على الإخوان جد أبدا
حسا ومعنى وغض الطرف إن عثرا

و اترُكِ اللَّهوَ كُن لِلخَيرِ مُلتَمِسَا
ولَاتَكُن فِى اللَّوَى وَالطَّيشِ مُنغَمِسَا

واسمَع نِصِيحَاً بِقُولِ الصِّدقِ قَد هَمَسَا
وراقب الشيخ في أحواله فعسى

يرى عليك من استحسانهِ أثَرا
وبَادِر إِلَى السَّيرِ سَعيَاً نَحوَ سَاحَتِهِ

واسعَى بِجُهدِكَ كَى تَحظَى بِنَظرَتِهِ
وَ ابذُلِ الوِسعَ فِى إِجلَالِ حُرمَتِهِ

وقدم الجدَّ وانهض عند خدمتهِ
عساهُ يرضى وحاذِر أن تكُن ضجِرا

واحفَظ وَصِيَّتَهُ واسمَعْ لِحِكمَتِهِ
وَغُضَّ صَوتَكَ فِى النَّجوَى لِحَضرِتَهِ

و إذَا دَعَاكَ فَلَبِّى صَوتَ دَعوَتِهِ
ففى رضاه رضا البارى وطاعته

يرضى عليك وكُن من تركها حذِرا
واصحَب مُرِيدَاً لَهُ نَفسٌ مُسَايِسَةٌ

يَطلُبُ العِلمَ و الأَملَاكُ حَارِسُةٌ
و يَقْرَأُ الوِردَ و الأَجوَاءُ قَارِسَةٌ

واعلَم بأن طريق القوم دراسة
وحال من يدّعيها اليوم كيف ترى

إِذَا نَأَوا فَترَةً عَنِّى بِغُربَتِهِم
احفظ الود فى الدنيا لعترتهم

وأَقُولُ جَهرَاً عَلَى أَعتَابِ سَاحَتِهِم
متى أراهم وأنّى لي برؤيتهم

أو تسمع الأذن منّي عنهم خبرا
وِإِن رَضُوا بِمَلَامِى لَستُ لَائِمَهُم

وَهل لقلبى صفاء كى يُلَائِمَهُم
وَهَل لِمِثْلِى نقاء كَى يِنَادِمَهُم

من لي وأني لمثلي أن يزاحمَهُم
على موارِدَ لم ألف بها كدَرا

عَلَى المَقَامَاتِ قَد دَلَّت فَضَائِلُهُم
وفِى البِشَارَاتِ قَد لَاحَت مَآثُرهُم

وَفى الإِشَارَاتِ قَد جَلَّت جَواهِرُهُم
أحبَّهُم وأداريهم وأوثرهُم

بِمُهجتي وخصوصاً منهمُ نفرا
ومِن إِشَارَاتِهِم فِى الوَعظِ أَلتَمِسُ

قَولَاً فَصِيحَاً مِنَ الأَقوَالِ يُقتَبَسُ
وَأقُولُ فِى مَدحِهِم إِذ رَاقَ لى الغَلَسُ

قوم كرام السجايا حيثما جلسوا
يبقى المكان على آثارهِم عطرا

قَومٌ لَهُم وَرَعٌ قَد زَادَهُم شَرَفَاً
وَفيض إِحسَانِهِم قَد زَادِنِى شَغَفَا

وإِن لَامَنِى قَولُهُم كَم أَنتَحِب أَسَفَا
يهدي التصوّف من أخلاقهِم طرفا

حسن التآلف منهُم راقني نظرا
لَمَا رَضُونَى خَدِيمَاً فِى الهَوَى لَهُمُ

أَمسَى قَصِيدُ افتِخَارِى يَانِعَاً بِهِمُ
وَصِرتُ فِى مَدحِهِم بَينَ الوَرَى نِهِمُ

هم أهل ودّي وأحبابي الذين همُ
ممّن يجرُّ ذيول العزّ مفتخرا

اللَّهُ يَجمَعُنِى بِجنَابِهِم جَمعَا
فمَازَلتُ أُصغِى لَهُم فِى الخِيرِ مُستَمِعَا

وَمَازِلتُ مِن نُصحِهِم فى الجَهرِ مُنتَفِعَا
ولا زال شملي بهم في اللَه مجتمعا

وذَنبُنا فيه مغفوراً ومغتفَرا
ثُمَّ السَّلَامُ عَلَى المَبعُوثِ مُنْجِدُنَا

مُحَمَّدٍ سَيِّدِ السَّادِاتِ قَائِدنَا
خَيرِ البَرايَا عَظِيمِ الجَاهِ مُرشِدِنا

ثمّ الصلاةُ على المختارِ سيدنا
محمدٍ خير من أوفى ومن نذَرا

خادم شعراء المديح
محمد عمر عثمان

© 2024 - موقع الشعر