الله الله في شعر أبيكم! - أحمد علي سليمان

الحمدُ لله تمجيداً وتنزيها
بما استحقَ من العِباد تأليها

حَمداً يُناسبُ أسماءً له حَسُنتْ
مُستصحِباً بركاتٍ لستُ أحصيها

إني لأحمَدُه ، وأستعينُ به
يَزيدُ نفسي سُمُواً حَمدُ مُحييها

واللهَ ربيَ أستهديهِ مُعتمداً
عليه في هذه الدنيا ومَن فيها

أستغفرُ اللهَ مِن ذنبي ومعصيتي
ومِن مَساوئ أعمال أعانيها

وكم أعوذ به مِن الشرور أتتْ
نفسٌ لجوجٌ أعاقتْني بلاويها

مَن يَهدِه اللهُ طابتْ نفسُه ، وزكَتْ
ومَن يُضِلَّ فمَنْ سِواه يَهديها

وأصدقُ القول ما الرحمنُ قائله
مُنشي البرية ، مُنجيها وهاديها

وخيرُ هَدي هُدى (المُختار) أسوتنا
دعا البرية للرحمن باريها

وكل مُحدثةٍ فبدعة مُقِتتْ
وخابَ عَبدٌ بدنيانا يُزكيها

وكل بدعةٍ المخلوقُ أوجدَها
ضلالة خبثتْ ، وخابَ مُمليها

وفي الجحيم ضلالاتٌ يُرَوّجُها
خلقٌ غدَوا بالهوى بُلهاً مَعاتيها

وبعدُ أبنائيَ الأحبابَ أنصحُكم
إنَّ النصيحة تُعلي مَن يُواليها

فلتعبدوا اللهَ رَباً لا شريك له
مَن يعبدِ اللهَ حقاً ينثني تِيها

وأخلِصوا الدينَ للمَولى تطيبُ لكم
مَعِيشة عَظمتْ جداً دَواهيها

وتابعوا (المصطفى) في سُنةٍ شرُفتْ
وعظموا نصَّها حُباً وتنزيها

وراقِبوا الله في شِعري وفي أدبي
قصائدي بدمي كم عشتُ أرويها

بذلتُ فيها جهوداً لا حدودَ لها
وجَندَ الله مَن بالخير يُطريها

نقحتُها دُون تقصير ، وعِشتُ لها
وما أردتُ بها دنيا أجاريها

وكنتُ حققتُ فحواها وزبدتها
وما اكتفيتُ بمدح ساقَ تاليها

وكنتُ دَققتُ ما سجَّلتُ مِن صُور
لأن بعديَ أجيالاً سترويها

ولم أدَشِّنْ لكي أنالَ من عَرض
وما سلكتُ بأشعاري مَساويها

ولم أجاملْ بما قصّدْتُه أحداً
ولم أنوِّهْ إلى التلميع تنويها

ولم أغازلْ به في الدرب ساقطة
وما استعرتُ لها وصفاً يُحَليها

ولم أشَبِّبْ به يوماً بغانيةٍ
أغوي الأنام بها عمداً ، وأغويها

ولم أوَصِّفْ به القدودَ مائسة
حتى أزخرفها لدى مُحِبيها

ولم أطوِّعْه للطغيان مُبتغياً
منه العطايا ، ألا تعساً لمعطيها

ولم أسَخره للغناء مشتهياً
ببذله شُهرة تسمو بهاويها

ولم أروجْ به ابتداع مبتدع
واهاً لبدعته ، وخاب داعيها

شِعري أردتُ به رضوانَ خالقنا
مرضاة رب الورى تُعطى لباغيها

وَصِيتي أكرموا أشعارَ والدِكم
لا تُهملوها إذا ضنتْ بَواكيها

ما كان أكرمَها إذ كنتُ حارسَها
وعشتُ بالروح والدماء أفديها

فوق الرفوف كمثل الشمس مشرقة
وفي المواقع تدعو من يُسَليها

وإذ رحلتُ فقد غِيضَتْ بشاشتُها
لأنها عدِمتْ شَهماً يُعَزيها

تبيتُ مكسورة الجَناح مُوجَعة
فليس مِن مُحسن عَفٍ يُقوِّيها

فلتقرؤها على الأحفاد في شغفٍ
كي لا نرى الموت بالإهمال يَطويها

تفقدوها فقد ترجو مَعونتكم
على تعقب أسقام تُقاسيها

أوصيكمُ الخيرَ بالديوان أجمَعِه
فيه القصائدُ ما جَفتْ مآقيها

تنعى الذي صاغها في أربعين مضتْ
مِن عُمْر فذٍ ، وبالذكرى يُكافيها

أمانة هذه الأشعارُ أتركُها
فليس مني الذي يوماً يُجافيها

عشرون أجزاؤها من بعد تسعتها
وزدتُ ترجمة فيها حَواشيها

حتى أخلدَ ذكرى لا سبيل إلى
نسيان صاحبها الشادي بماضيها

أبنائيَ الشمَّ أعطوني مَواثقكم
أنْ تذكروني بأشعاري وما فيها

وتطلبون مِن الرحمن رحمته
لراحل ذِكرُه حَكَتْ قوافيها

مناسبة القصيدة

(عندما يبلغ الشاعر من الكِبَر عِتِياً ، وينظرُ حوله فيجد عشيرته لا دين ينتظم حياتهم ، ولا أخلاق حميدة تربطهم ، بل يجد خذلاناً وحِقداً وجاهلية ، وإذا بالأصدقاء والأنساب والأصهار لا يختلفون كثيراً عن الأهل والعشيرة ، فإنه ينظرُ إلى شِعره نظرة المُوَدِّع للحياة! ويستخلفُ عليه اللهَ رب العالمين من قبلُ ومن بعد ، ثم يوصي أولادَه بأن يهتموا بأشعاره نشراً وقراءة ودراسة وعملاً بما احتوتْه من الحق ، واجتناباً لما حوتْه من الباطل! فراح هذا الشاعر يوصي أولاده ، عندما أحس بقرب موته وقد بلغ الستين!)
© 2024 - موقع الشعر