فاعدل بينهم! - أحمد علي سليمان

الظلمُ زادَك بين الناس تسفيها
وزادَ سُمعتك الرَّعناءَ تشويها

وعِشت صَوتُك أعلى مِن أدِلتنا
وما أتيت لنا بما يُضاهيها

والجاهلُ الدهرَ تُشجيه جَهالتُه
وبعد حِين سَفيهُ العقل يُشجيها

كم استميت على النصوص في صَلفٍ
واحتلت تُتْحِفنا بما يُساميها

كم اتبعت سَبيلَ الهازلين ، فما
عَلوت شأناً بما أحرزتَه فيها

وكم تأوَّلت أحكاماً تُرَدِّدُها
بلا اعتبار ولا فِقهٍ يُجَليها

وكم تصَدَّرْت في المجالس احتقرتْ
أهلَ الهوى والأذى البُلهَ المَعاتيها

وكم سَخِرت مِن المَقاصد انتظمتْ
ألبابَ قوم بها كم انثنوا تِيها

وكم تندَّرت تستهزي بمَن رَشَدوا
وتستهينُ بهم سُخفاً وتسفيها

وكم تنمَّرت بالألغاز تُطلِقها
ويحَ الحَماقاتِ قد بانت مَراميها

وكم طرحت نِكاتٍ في مُناظرةٍ
وحَبكة الهُزء تُخزي مَن يُزكِّيها

حتى أتيت إلى تقسيم ما ملكتْ
يداك ، ذي قِسْمة تُخشى عَواديها

أرضاً مَلكت ، وداراً كنت تسكُنها
وما سألت عن الفتوى ومُفتيها

أفتيت نفسك بالجهالة اشتهرتْ
وبعت نفسك للشيطان شاريها

وما استشرت أولي الألباب مَن عَلِموا
فقهَ الشريعة باديها وخافيها

ولا درست أموراً أنت تجهلها
حتى تُحَصِّلَ تأصيلاً وتوجيها

لكنْ تعمَّدت دَحضَ السُّنة انبلجَتْ
تُنِيرُ دَربَ سليم القلب تاليها

خصصت أبناءَ أغنى منك يا لكَعاً
والصحبُ كم نبَّهوا الدهقانَ تنبيها

ومَن حَرمت سعيرُ الفقر يَحرقهم
ونارُ ظلمِك عَمَّتْهم غواشِيها

أعَشْتهم في سراب التيه عن رَغم
أبئسْ بقوم إذا ما واجهوا التيها

قيلَ: استفقْ مِن قتام الظلم إنَّ لهُ
على القلوب خيالاتٍ وتمويها

ماذا دهاك ألا استرشِدْ ، وكُن فطِناً؟
إنا ننوِّهُ للتوضيح تنويها

أقلعْ عن الجَور ، لا تطرُقْ مسالكَه
أدِّ الحقوقَ ، نجا عبدٌ يُوَفيها

هذي الشريعة رب الناس أحكمَها
وفقه اللهُ فيها البعضَ تفقيها

وفاز عبدٌ أطاعَ الشِّرعة اشتُرعتْ
للخير في ذي الدنا وخابَ عاصيها

يا عبدُ نفذ بلا رأي أوامرَها
طوعاً ، ولا تقترفْ يوماً نواهيْها

وأنت غلّبت ما أمْلتْه غاشية
أعمَتْك ، حتى سَرتْ بلوى دَياجيها

زرعت حِقداً ، جنى الأبناءُ مِحنته
وأنت وحدك راويها وراعيها

فبعضُهم ظلَموا ، واستمرأوا ، وبَغوا
والنارُ مَوعدُهم ، تعساً لصاليها

وبعضُهم ظلِموا ، واللهُ ناصرُهم
هذي المَظالمُ ربُّ الناس قاضيها

مَن رامَ بِراً مِن الأبناء مُنتظراً
عليه بالعدل مِنهاجاً وتوجيها

لا شيء كالعدل يُهديهِ رَعِيته
فالعدلُ بين جميع الناس يُعليها

نِعمَ الرعية عَدلُ الله يُورثُها
نصراً يُجَنبُها سُوآى أعاديها

نِعمَ الرعية راعَت حق مَن حضروا
ونفذتْ شِرعة الرحمن تدريها

وما استباحتْ حقوقَ الغير عامدة
بجهل أبٍّ عصى ، ورَامَ يُردِيها

وراعتِ الحق أهلوهُ قد ارتحلوا
فقدمتْه لهم تبكي مَآقيها

يا رب باركْ لمَن بالحق قد عملوا
يا رب زِدْهم عن الحرام تنزيها

وأرجع الحق ممن نِقمة ظلموا
وصَدَّروا الظلمَ للدنيا ومَن فيها

مناسبة القصيدة

فاعدِلْ بينهم! (قام ذلك الأب الظالم لنفسه ولعائلته ، بتقسيم عقاراته وأراضيه فأعطى زيداً من الأبناء وحرم عَمْراً! وزادَ حبّاتِ الطين بلة عندما تعمدَ حِرمانَ بناته مُغلباً مِلة أبي لهب وأبي جهل! فقِيلَ له: يا فلان بن فلان اعدلْ بينهم ليكونوا لك في البر سواء! فاستكبر وقال: أنا لا أورّث إنما أهبُ وأعطي! فقِيلَ له: هذا ظلمٌ كذلك بنص الحديث! وظل في تلاعُبه وظلمه وتجاوزه حتى أدركه الموت ، وهو ظالم لنفسه ولأبنائه! ليس ذلك فقط ، بل ترك أبناءه فريقين: ظالمين يدعون له بالرحمة ، ومظلومين يدعون عليه باللعنة!)
© 2024 - موقع الشعر