مالك ابن دينار وابنته! - أحمد علي سليمان

بُنيّتي ، كنتِ لي الدنيا وما فيها
بكِ ابتعدتُ – عن العِصيان - تنزيها

قد كنتُ قبلكِ في تِيهٍ يُسَربلني
ومِحنةٍ جَندلتْ ذاتي عواديها

عَصَيتُ ربي ، وذتْني مُراوغتي
والنفسُ في الغيّ ألقتْها مساويها

سَكِرتُ دهراً ، وما أفقتُ مِن سَكَري
والشر بين الورى قد خط لي تِيها

فبتُ أظلمُ خلقَ الله عن رَغب
والمَعصياتُ بدتْ سُوآى دياجيها

ولم أؤدِ حقوقَ الناس في وَضَح
وصُحبتي بينهم من مسْتبيحيها

وكم أكلتُ الربا بلا مؤاخذةٍ
والنفسُ ترفلُ في بلوى تردِّيها

وكم جَلبْتُ على الأنام من ضرر
وكم رزايا عليهم عشتُ ألقيها

وكم تمرّسْتُ في المظالم احْتوشَتْ
قوماً ، وقد جهلوا وغداً يُصَليها

وكم فجرتُ فجوراً لا حدود له
والروحُ قد عدمتْ درباً يُزكّيها

حتى رأيتُ جموع الناس قد صُرفوا
عني بما اقترفتْ نفسٌ أجاريها

واشتقتُ يوماً إلى الزواج يردعُني
عساهُ يَصْرفُ أوجاعاً أقاسيها

عساه يجعلني في خير عافيةٍ
عساه يرفعُ آلاماً أعانيها

عسانيْ أرزقُ من زوجي بجارية
أحبها ، وأرى خيرَ الدنا فيها

وحقق الله أحلاماً تُراودُني
وذاقتِ النفسُ قطفاً من أمانيها

وكنتُ أسميتُها العصماءَ فاطمة
وعشتُ أكْبرُها دوماً ، وأطريها

أحببتُها الحبَ ما أحببتُه أحداً
من قومنا ، فأنا بالروح أفديها

كم ذكرتْني بدين الله بُغيتُها
أن أستقيم يقيناً ، ليس تمويها

كم وبّختْني على العِصيان ناصحة
والنفسُ تغبطها على تفانيها

في هذه السن مَن بالحق بصّرها؟
ومَن حَبا قلبَها نوراً وتوجيها؟

وذات يوم يَقضُّ الموتُ مَضجعَها
فأسلمتْ روحَها لله باريها

وقد فجعتُ بها فجيعة عظمتْ
وبت - مِن ألم المأساة - أبكيها

ثم انحدرتُ إلى العِصيان في شغفٍ
وعُدتُ للخمر تدعوني ، فأحسوها

والنفسُ ما فتئتْ تعصي ، وتجرفني
كأنها عشقتْ إثماً يُدَسّيها

حتى خطرتِ برُؤيا ، والخلاصُ بها
في قصةٍ لم أزل للناس أرويها

لمّا فررتُ من الثعبان يلحقني
والشيخُ أدمُعُهُ فاضتْ مآقيها

يقول: إني ضعيفٌ ، والقوى وهنتْ
وهل يُعين ضعيفُ النفس واهيها؟

حتى رأيتُكِ في حال سُررتُ بها
مثلَ العروس التي دّفتْ أمانيها

تؤولين ليَ الرؤيا مُحققة
كأن (يوسُفَ) يتلوها ويُمْليها

بذلتِ نصحَكِ حتى يستفيق أبٌ
مِن غفلةٍ سَحقتْ إباءَ راعيها

فقلتُ: آنَ لي المتابُ ألزمُهُ
وغفلتي اليومَ عن عمدٍ أخليها

رباهُ فارحمْ أيا مولايَ فاطمة
فالقلبُ يَذكرُها ، والنفسُ تُطريها

مناسبة القصيدة

(إن قصة شيخ التابعين مالك بن دينار مع ابنته (فاطمة) ، تستحق أن تكتب فيها القصائد! ذلك أنها قصة مؤثرة للغاية! وما أن طالعتُها لأول مرة ، حتى وجدتُني أنفعلُ لها وأتأثرُ بها ، وكان أنْ كتبتُ فيها من شِعري هذه القصيدة العصماء! يقول مالك ابن دينار: بدأت حياتي ضائعًا سكيراً عاصيًا؟ فكنتُ أظلم الناس ، وآكلُ الحقوق ،آكلُ الربا ، وأضر الناس ، وأفعل المظالم ، لا توجد معصية إلا وارتكبتها ، شديد الفجور ، يتحاشاني الناس من كثرةالمعاصي التي اقترفتها! يقول: وفي يوم من الأيام اشتقتُ إلى أن أتزوج ، ويكون عندي طفلة ، فتزوجتُ وأنجبتُ طفلة أسميتها فاطمة ، أحببتُها حباً شديدًا ، وكلما كبرتْ فاطمة زاد الإيمان في قلبي ، وقلت المعصية فيه ، ولربما رأتني فاطمة أمسك كأسًا من الخمر ، فاقتربت مني فأزاحته ، وهي لم تكمل السنتين ، وكأن الله قد جعلها تفعل ذلك ، وكلما كبرتْ فاطمة زاد الإيمان في قلبي ، وكلما اقتربت من الله خطوة ، ابتعدتُ شيئاً فشيئاً عن المعاصي ، حتى اكتمل سن فاطمة 3 سنوات ، فلما أكملتْ الــ 3 سنوات ماتت فاطمة! يقول: فانقلبتُ أسوأ مما كنتُ ، ولم يكن عندي من الصبر الذي عند المؤمنين ما يقويني على البلاء ، فعدتُ أسوأ بكثير مما كنت ، وتلاعب بي الشيطان ، حتى جاء يومٌ فقال لي شيطاني! يقول وجاءتني في الرؤيا تقول: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله"! فتبت وأنبتُ إلى الله!)
© 2024 - موقع الشعر