كفٌ بعشرة آلاف دينار - أحمد علي سليمان

كَفٌ على الوجه ضاهى جَذوة الألمِ
هوى على وَجنةٍ عانت من الورمِ

أمام أعيًن مَن زاغت بصائرُهم
لهول ما شهدوا في الموقف الوخِم

وضاربُ الكف ما شفتْ شهامته
عن المروءة والأخلاق والقِيَم

تجاوز الحدّ في عُرف وفي خلق
ولم يكن - في الذي وافى - بمحترم

ومدّ كفاً بلا حق ولا أدب
كأنه كف طاغوتٍ ومنتقم

وزوجُه عدمتْ – في الناس - منتصراً
لِمَا دهاها - من المكابر - الغشِم

بكتْ وآلمها إهدارُ عِزتها
على يد البعل ما عانى من الألم

أزرى بزوجته أمام من شهدوا
ويح الحشيمة في العقائل العُصُم

ولم يُرعْ سمعه لِمَا تقول به
في مَعرض الجدل المشفوع بالكلم

أين التفاهمُ يُجْلي كل مُعضلةٍ
من عقل كل لبيب حاذق فهم؟

أين التريّث يجتاحُ الخلاف ، فلا
يُبقي - لصاحبه - شيئاً من الإزم؟

أين اصطبارُك في البأساء ما رحمتْ
حداثة السن في آفاق مختتم؟

أين احتمالك في البلوى إذا اشتعلتْ
وخلفتْ سُعُراً في غاية الجحم؟

أهنت نفسك قبل الزوج يا لكعاً
وجئت شيئاً - بهذا - بالغ العِظم

ألم يكن رادعاً ضعفٌ به اتصفتْ؟
وتلك من حكمة المهيمن الحَكَم

لو أنها اتصفتْ بالقوة انتحرتْ
زوجية ربما باءت بسفك دم

ألم يكن مانعاً نهي النبي لنا
عن ضرب وجه ورأس يا أخ السلم؟

ألم يكن كافياً بكاؤها فرَقاً
من ظالم ما رعى وشائجَ الرحم؟

لمّا أتيت الذي أتيت مُجترئاً
على الحنيفية السمحاء في نهم

أدانك الناسُ مِن غِر ومِن فطن
فكنت في موقف – بالخِزي - متسم

كشفت سِترك - للعُذال - مُفتقراً
إلى الرجولة في افترائك العمم

ولامَك الكل من غابوا ، ومن حضروا
بلفظةٍ صُبغتْ بالبؤس والوصم

وقيّض الله شهماً لا نظير له
حتى يردّك عن غي وعن غشم

وحال بينك والصبيّة ابتذلتْ
ذي من قريش وحاميها من العجم

الله أكبرُ سوّى السلمُ بينهما
علاقة سَلِمتْ من سيئ التهم

وقال: لا تحزني يا أختُ ، أو تهني
روحي الفِداءُ لما لا قيته ، ودمي

قفي ورائي بلا خوفٍ ولا وجل
والله كافيكِ - بي - ما كان من نِقم

دموعُ عينيك تكوي قلبَ ذي نُبُل
إني أسفتُ لدمع جدّ منسجم

وبعضُ آهاتِكِ الحرّى تُمزقني
فما الفؤادُ - بما يلقاه - بالشبم

دمٌ ولحمٌ وإحساسٌ وعاطفة
وهمة شمختْ في خانع الهمم

ونِية عُقدتْ على اللحاق بمن
بالحق قد عملوا من بعد ما علموا

ما أن بصُرتُ الذي عيناي قد رأتا
حتى ابتُليتُ - من المصاب - بالسأم

وزاد زوجكِ أوجاعي بلطمته
تلك التي ألجمت كفيّ بالبَكَم

لئن رفعتُ يدي عليه ذبتُ أسى
وكنتُ أتعسَ من سعى على قدم

لذا احتسبتُ ، ولم أندمْ على عملي
إن احتساب الفتى يَضِيعُ بالندم

وقلتُ: رباه فاشهدْ أن لي أملاً
في محو ذنبيَ والعصيان واللمم

وقلتُ للزوج: زدني ما اشتهيتَ ، ولن
أردّ بَغيَك ، إني - اليوم - كالصنم

لو شئتُ زدتُك من بأسي ومن غضبي
قِسطاً تصيرُ به في رقدة العدم

وزدت طِينة هذا الملتقى بللاً
لمّا بصقت على وجهي فما جُرُمي؟

وكان سَبّك برهاناً على نزق
تُجيده - بطراً - في شرّ مختتم

والزوجُ أخرجتِ الآلاف يانعة
عشراً تشع الضيا في الجو كالنجم

قالت: أكافئ من ضحّى ليُنقذني
من الحليل العتيِّ الظالم الغلم

فقلتُ: كلا ، وأخرجتُ الألوف لها
لمّا غدا جرحُ قلبي غيرَ ملتئم

فأقسمتْ - بمليك الناس - مُشهرة
يمينها في إباءٍ مُشرق سَنِم

فقلتُ: أقبلها جبراً لخاطرها
بدمع عين - على الخدين - منفحم

فناولتني - من الشكران - أعذبه
وشكرُ أهل العطا من أنبل الشيم

والناسُ تسمع ما تُزجيه من مُلح
من الثناء تخطى أعذب النغم

من عفةٍ في سماء الطهر حائمةٍ
في ثوب عِز من التوقير محتشم

فقلتُ: إني لما قالته أكْبرها
إن الذي ذكرتْ لونٌ من الحِكم

رباه فاغفر لها ما تلك تجهله
ولا تؤاخِذْ بما قالته من سِيَم

واجعلنيْ خيراً إلهي من مَزاعمها
والطفْ بعبدٍ - بدين الحق - معتصم

© 2024 - موقع الشعر