أخت من الأب! - أحمد علي سليمان

أختٌ مِن الأب مَن مِنا يُباريها؟
إنا – بطِيبتها – كم ننثنِي تِيها

ومَنْ يُحاكي الذي أتتْهُ راضية
مِن طيّب العُرف بين الناس يُعْليها؟

أمّنْ يُقدّرُ ما جاءتْه مِن مِنح؟
مَن ذا الذي يَقدُرُ الفضلى يُكافيها؟

أمّن يُقلدُها الأمداحَ في زمن
صنائعُ الخير تُبكي مَن يُؤديها؟

أمّن يُناولها الألقابَ سامية؟
أمّن يُوَصّفها حُباً وتنزيها؟

أمّنْ يُؤدي لها بعضَ الذي عملتْ
مِن الصنائع ماضيها وآتيها؟

أمّنْ يَردُ لها الجميلَ مُعترفاً
بالفضل يَذكرُه جَهراً وتنويها؟

أمّن يُضارعُها في الصبر قانعة
أن الحياة عذاباتٌ تُقاسيها؟

أمّن يُتوّجُها تاجاً يليقُ بها؟
مَن غيرُ رب الورى بالخير يَجزيها؟

أعطتْ ، وربّتْ بلا كَلٍّ ولا مَلل
ورسّختْ قِيَماً زكَتْ معانيها

ووَطدَتْ أسسَ الأخلاق ، تحسَبُها
تُرسي مبادئَ ما أحلى مَراميها

جادت بعطفٍ على الصغار مُبْدية
لطائفَ الحب للأرواح تُهديها

كم جففتْ دمعَ مَن يبكون غائبة
فعوّضتْهم بأفعال تُحاكيها

كم أذهبتْ بالوفا أحزانَ مَن كُسِروا
فغرّدتْ أنفسٌ أضحت تُواسيها

كم ضمّدتْ بالهنا جراحَ مَن طعِنوا
لأنهم عَدِموا أمّاً تُداويها

كم عالجتْ بالرجا كُروبَ عائلةٍ
ضاقَ الجميعُ بها ، قالت: سأفديها

كم ناولتْ نصحَها للكل مُحسنة
نِعمَ النصائحُ لا نلقى الأذى فيها

كم أسرجتْ خيلها في كل خندمةٍ
تحمي حِمى أسرةٍ سُوآى أعاديها

كم أطعمتْنا مِن الطعام أطيبَهُ
ككل أم تلي حُسْنى ذراريها

لأن أمي قضتْ أيامَها ، ومضتْ
وكل نفس مُصابُ الموت يَطويها

وجاء دَورُ التي في الأصل بنتُ أبي
مِن زوجةٍ رَحلتْ ، والزوجُ يبكيها

وجاء لابنته زوجٌ ليَخطِبَها
فأعلنتْ شرطها – في القوم - تنبيها

إن الذين أنا رُبّيتُ بينهمُ
لهم حقوقٌ أنا عهداً سأزجيها

لا ، لستُ أخذلُ يوماً أسرة نُكِبتْ
وسوف أرفعُ أعباءً تُعانيها

أهلي ، وعِشرة عُمْر لستُ أجحدُها
وذكرياتٌ حَلتْ ، قلبي يُناجيها

وإخوتي كلهم ، أحبهم ، وأبي
لهم عليّ دُيونٌ لستُ أحصِيها

إن شِئت أبقيتني هنا بجانبهم
إني أسيرة دار عَز بانيها

أعطى ، وكافح لم يبخل بعارفةٍ
أبي مُهذِبُ أخلاقي وراعيها

أو شِئت أيّدتْني حتى أوفيَهم
حقوقهم ، مَن هُنا غيري يُوَفيها

فقال مَن خطبَ الفتاة: أقبلها
على الذي شرطتْ ، ولا أخليها

وواظبتْ أختُنا على مودتنا
والكل يُكْبرُها جداً ، ويُطريها

وجادَ ربي عليها بالعِيال هُدوا
للخير في عيشةٍ طابت مَراقيها

وزوجُها فارقَ الدنيا ، وخلّفها
في حالةٍ رَثةٍ تُخشى عَواديها

والحِملُ ضُوعِفَ ، لكنْ أختُنا اجتهدتْ
واللهُ بارك في حُسنى مساعيها

طبْخٌ وكَنسٌ وتغسيلٌ وتربية
والكل قال: أيا (أمي) يناديها

أما أبي فله برنامجٌ عَسِرٌ
له مطالبُ عزتْ لستُ أحكيها

والأختُ تخدمُ كُلاً حسْبَ طاقتها
ولم نُؤدِ الذي جادتْ أياديها

تقبّلَ اللهُ منكِ السعيَ أجمعَهُ
يا قِصة شرفت أقوالَ تاليها

أنتِ القصيدة يختالُ البيانُ بها
والوزنُ يَطربُ في دنيا قوافيها

مناسبة القصيدة

(الحنانُ والوفاءُ والإخلاصُ والأخوة الصادقة ، لا تُباع هذه القيمُ ولا تُشترى! ولو كانت تُباعُ وتُشترى لاشتراها الأوباش والأراذل والأنذال ، لا حُباً فيها ، ولكن ليتجملوا بها أمام الناس! وبطلة قصيدتِنا أختٌ من الأب ، ماتت أمها ، فتزوج أبوها ، فرعتْ إخوتها الصغار من أبيها ، كما رعت أباها المُسن الضعيف ، رغم أنها كانت أماً مُعيلة مسكينة! فلله دَرّها من عبقرية فذة ، قلّ أن يجودَ الزمانُ بمثلها! حيث ماتت الأم مخلفة أولاداً صغاراً! وتزوجت الابنة الكبرى وماتت زوجة أبيها ، فقامت بأسرتها وزوجها ، ورعتْ أباها في شيخوخته ، كما اعتنت بإخوتها من أبيها خير عناية! من أي أنواع النساء هذه العبقرية؟! وإذا لم نكتب الشعر في مثل هذه الأعجوبة وتلك المعجزة ففيمن نكتب الشعر؟!)
© 2024 - موقع الشعر