نقابٌ غطته الدماء! - أحمد علي سليمان

غطتْ نِقابَكِ يا (رَزانُ) دماءُ
من بعد أن قصفَ الحِمى الأعداءُ

لم يرحموا أماً تئنُ بكربها
وطغى عليها البُؤسُ واللأواء

وتعثرتْ في سيرها خطواتُها
واغتالَ أحلامَ الحَصان شَقاء

وجنتْ على أرَج الشباب دَغاولٌ
وازدادتِ الآلامُ والبلواء

فإذا ابنة العشرين شاخ شبابُها
فغدتْ عجوزاً ، والمَشيبُ بلاء

تعِسَ الأعادي ، لم يُراعوا حالها
وضحية الحرب الضروس نساء

لو خيّرَ الصاروخ ما اختار الردى
لوليةٍ عصفتْ بها الأرزاء

واختارَ تفجيرَ الألى – بفظاعةٍ -
قد أطلقوهُ ، كما الأراذلُ شاؤوا

قتلوا بلا حق ، وطمّ فجورُهم
وتعمدوا سَحقَ الورى ، وأساؤوا

يا ليت شِعري كيف كادوا غِيلة
وعَلوْا على العُظما ، وهم وُضعاء

أو ليت شِعري كيف كالوا حِقدهم
ناراً يُكابدُ وَهْجَها البُرآء

أو ليت شعري والسؤالُ مُحيرٌ
من أين أعداءُ الحنيفة جاؤوا؟

قتلوا (رزانَ) ، وجندلوا أطفالها
فالهدمُ والموتُ الزؤامُ سَواء

وتشجعتْ أمٌ ، فضمّتْ طفلها
لتضمّ كُلاً مَوتة وفناء

يَبسَ الذراعُ على صغير تحتهُ
وجرتْ على الأرض العَزاز دماء

للهم فارضَ عن الثلاثة ، إنهم
حَصدَتْهمُ الثاراتُ والهيجاء

مناسبة القصيدة

نقابٌ غطتْه الدماء! (كانت رزانُ هذه الأختُ الحشيمة المؤمنة المُوَحّدة تمرحُ مع طفليها في أكتوبر 2022م ، فوق متن قارب خشبي صغير ، بينما كان على الزوج أن يُجدّف بمِجدافي القارب! هناك في بحر أرض الرباط ، وأمسكتْ لعبة لأحد طفليها ، ورفعتْها له في الهواء تُعلمُه وتداعبُه برقةٍ وحُنو! ولم تدر ماذا سيكون في أكتوبر 2023م من النصيب! لقد خبأت لها المقاديرُ هدية من رب العالمين! تُرى ماذا كانت الهدية؟! إنها أغلى هدية ، أن يقبضها الله تعالى وطفليها ، (وأحسبهم شهداء) ، ليُبدلهم داراً خيراً من دارهم ، ودماءً خيراً من دمائهم ، وأهلاً خيراً من أهلهم ، وحياة خيراً من حياتهم! حيثُ قصِفتْ عليها دارُها ، فيما قصف من مئات البيوت على ساكنيها! وحاسبَ اللهُ بعدله من قصف عاجلاً غير آجل! وماتت صاحبة النقاب مُحتضنة طفليها ، وأبت ذراعاها أن تنفكا عن الطفلين! وكأنها تقول: كما احتضنتُهما حَيّة ، أحتضنهما ميتة وعند الله الجبار المنتقم العزيز الغالب قريباً جداً تجتمعُ الخُصوم! إنه بعد قصف الدار وجدوها تحت الأنقاض ، مثلها مثل الآلاف الذين انتشلتْ جُثثهم مِزقاً من تحت الأنقاض! وجدوها غارقة في دمائها! وكان النصيب الأوفر من الدماء لنقابها الذي أخفت الدماءُ معالمَه! وكأني بها قد سُترتْ حية بحجابها وجلبابها ونقابها ، وسُترتْ ميتة بحجابها وجلبابها ونقابها ودمائها! وما عرفها من المنتشلين أحدٌ إلا زوجها! الذي أبقاه الله تعالى ليروي لنا قصتها التي أوردتُ منها ما يتسعُ له الجو النفسي للقصيدة! وشأن كل ميتٍ وميتةٍ أن لا يكون في الجسم كله أدنى مقاومة ، بل يكون الجسم انسيابياً تماماً! ولكن الحال اختلف مع هذه الأخت ، حيث إن ذراعيها قد أحكما احتضان الطفلين الصغيرين! وحاول الإخوة المنتشلون تحريرَ الطفلين ، فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً! وكأن لسان حالها معهما يقول: أنا وطفلاي نعيشُ معاً أو نموت معاً! وهنا قرروا تكفين الثلاثة في كفن واحدٍ ، بناءً عن طلبها وهي ميتة! وشرعتُ أن أؤبن هذه الأخت بمُعلقةٍ تتجاوز الأبيات المائة! ولكني ما استطعتُ! حيث خنقتْني العَبرة ، وحالَ الوجدُ دون إكمال النص على الوجه الذي أتوقعُ وأرجو! ولقد احترتُ حيرة شديدة في الصورة المُعبّرة عن هذه الأخت! هل أضع صورتها بنقابها المُغطى بدمائه تحتضنُ طفليها؟ أم أضع صورتها حية تُعلم طفلها كيف يلعب بلعبته؟ وأخيراً اخترت الصورة الحية ، لأنها – وعلمها عند الله تعالى – حية! ويشهدُ الله تعالى أن هذه القصيدة كتبتُها مرتين: الأولى بمِداد القلم والثانية بدمع العين والقلب! وأشهد أنها غير تامة! فرحمة الله تعالي عليكِ يا (رزان) يا حبيبة كل المؤمنين بوصفكِ أختاً لهم في الله تعالى والإسلام! وأسأل الله تعالى أن يتقبلك وطفليك في الشهداء ، وأن يكتب لك أجر الشهداء ، وأن يحشرك يا (رزان) مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسُن أولئك رفيقاً!)
© 2024 - موقع الشعر