من فات قديمه تاه - أحمد علي سليمان

لن يطويَ الماضيَ التعيسَ نسيانُ
وليس (قد أصبحوا) تمحو لقد كانوا

ماضي الحياة الذي وَدّعتُمُ شبَحٌ
وليس يَصرفهُ يا قوم نُكران

مازال يظهرُ في ضُحىً ، وفي غلس
يُخِيفُ كل الألى في حقهم لانوا

مازال يدأبُ في فضح الألى انحرفوا
وإن عُقبى انحراف القوم خُسران

مازال يفضحكم في كل مصطدم
ومثلَ سِر غدا لديه إعلان

مازال يٌظهرُ ما أخفى دَهاقنة
وكل ذِكرى لها طيفٌ وحُسبان

إني أراهُ بلا رفق يُطاردُكم
مدى الزمان له بأسٌ وعُدوان

هم لا يُطيقون مَن دوماً يُذكّرُهم
بما مضى إنما التذكيرُ بُهتان

عمداً تناسوا (سَواليفاً) تُقمّئُهم
وما تساوى تناسيهم ونسيان

وكل ماض يُسَلي كل ذي شرفٍ
مادام خالطهُ سِلمٌ وإيمان

وكم يتوهُ الذي يغتالُ ماضيَهُ
فلا يكون لهُ للمجد عنوان

وحولهُ الناسُ عن ماضيه ما غفلوا
إنْ خانَ عهداً مضى فالقومُ ما خانوا

مهما تجمّلَ بالأوهام يخدعهم
فإن ماضيَهُ التليدَ برهان

هم كاشِفوهُ بلا شكٍ ولا ريَب
وإنْ يكنْ فرّقَ الجميعَ بُنيان

فاخرْ بماضيك يُعليك الفخارُ بهِ
مَن فات ماضيَهُ فما له شان

مناسبة القصيدة

من فات قديمه تاه (إنه مثلٌ رائعٌ جداً! يَصْدُقُ في كثير من الناس ، كانوا يعيشون عيشة الحاجة والعوز ، ولا يُدركون الكفافَ بين الناس. ثم مَنّ الله تعالى عليهم ، فوسّعَ عليهم وأعطاهم من فضله وإحسانه ، فإذا بهم يَنسَون ماضيَهم! ويتنكرون لأصدقاء الماضي وذكرياتِه تماماً! وأما المثل المصري الجميل: (من فات قديمه تاه!) والذي استقيتُ منه عنوان هذه القصيدة فله قصة طريفه لا بأس من إيرادها هنا لتتم بها العِبرة والعِظة! يرجع أصل المثل ، يوم قرر أحد الفلاحين - من قديم الزمان - أن يبيع بقرته ، التي كان يعتمد عليها في حرث الأرض ، وسقيها ، وذلك ليشتري مكانها آلة تسقي الزرع بطريقة أسرع وأسهل من بقرته هذه! ونظراً لعدم قدرته المالية على شراء تلك الآلة ، اضطر إلى بيع البقرة لأحد جيرانه ، لكنه في نفس الوقت كان حزيناً عليها حزناً شديداً ، لأنها كان يحبها ويُعجبه لينُ طبعها! وتم له ذلك ، وانتظمتْ الآلة شهوراً! وفي يوم من الأيام ، تعطلت الآلة الجديدة ، ولم يكن لديه المال الكافي لتصليحها ، وتمني في هذه اللحظة أن تكون معه بقرته القديمة ، لكنه لم يكن معه المال من أجل استرجاعها! فاضطرت زوجته لبيع ذهبها ، وبالفعل تمكن الفلاح من استرجاع بقرته ، وفرح بعودتها ، وفي تلك اللحظة قالت له زوجته المقولة المشهورة: "من فات قديمه تاه" ، واستمر هذا المثل يُتداول بيننا حتى يومنا هذا ، وقد لا نعرف قصته! إن قوماً اليوم يصنعون ما صنع الفلاح الطيب! لكن الفرق بينهم وبين الفلاح أن الفلاح فعل هذا ببقرته بحسن نية! لكن القوم يصنعون ما صنعه بسوء نية وقصد والعياذ بالله!)
© 2024 - موقع الشعر