المنتقبة واليتيمتان - أحمد علي سليمان

بكما قلبي تخطاهُ الضجرْ
واحتوتْ نفسي أهازيجُ السمرْ

وابتهجتُ رغم لأواء الجَوى
وانتشتْ روحي ، وباتتْ تبتشر

أنتما أنسٌ يُسَلي عيشَنا
وحُبورٌ نستقي منه العِبَر

أنتما خيرٌ بدتْ آياتُه
وتباشيرٌ إليها نفتقر

أنتما دنيا علينا أقبلتْ
عن حِمانا تدفعُ - اليومَ - الكدر

أنتما فجرٌ زهتْ أنوارُهُ
في ليال لم يُنوّرْها القمر

أنتما شمسٌ أضاءتْ بيتنا
فغدونا - بضياها - نفتخر

إيهِ يا نفسُ افرحي ، واستبشري
قيدُ بُؤساكِ – من السعد - انكسر

خالة كانتُ ، وأماً أصبحتْ
كيف؟ قلتُ: ذا قضاءٌ وقدر

أنتما بنتايَ ، هذا مطمحي
أنتما قلبي ، وسمعي ، والبصر

لكما أمّان: أمٌ أنجبتْ
ثم أمٌ ظلَ طفل تنتظر

رحَلَ اليُتْمُ ، فلا تستيئسا
اُهجرا الكربَ مَلياً ، والضجر

أرسلا - للعيش - أحلى نسمة
ما استوى فرحٌ وحالٌ مُعتكر

ودّعا بُؤساً يُدني عيشنا
واعقدا العزمَ على حُب الظفر

لكما بيتي مَلاذ آمنٌ
فاقطفا من دُوحه أشهى الثمر

وانعما بالعيش حلواً هانئاً
واطرحا الإرجافَ أرضاً ، والحذر

رب باركْها حياة عذبة
وفقَ منهاج المليك المقتدر

مناسبة القصيدة

(شعورٌ نبيلٌ جداً إكرامُ اليتيم والإحسانُ إليه! وإنها لعبادة مفتقدة عند الكثيرين في زماننا! فأما منتقبة قصيدتنا المحسنة إلى اليتيمتين ، فقد ضربتْ عصفورين بحجر واحدٍ: فأما العصفور الأول فاشترتْ أمومتها بلا مقابل ، وأما الثاني فأكرمتْ يتيمتين لا عائلَ لهما حسبة لله تعالى! فلقد ابتُليتْ هذه المنتقبة بابتلاءين في غاية الشدة! وصبرتْ واحتسبتْ! فعوّضها الله تعالى خيراً وثباتاً في دين! فأما الابتلاء الأول فكونها عاقراً! واجتهدتْ في التداوي والعلاج على أرقى مستوى ، وعند أمهر الطبيبات ، ولكنها إرادة الله تعالى! فصبرتْ ورضيتْ بما قسمه الله تعالى لها! ونصحتْ زوجها بأن يتزوج من أخرى ، رجاء أن يرزقه الله الولد منها ، فأبى وقال: حُبي لكِ لا يُطاوعُني بأن تكون لك ضُرة ولو كانت صالحة! واستمر الأمرُ على ذلك سنين إلى أن جاء الابتلاء الثاني ، ألا وهو موتُ زوج أختها الصغرى الوحيدة التي تصغرُها بعقدٍ من السنين! وعندها بنتان: الأولى لها ثلاث سنوات والثانية لها خمس سنوات! وبعد انقضاء عِدتها ، لاح لها في الأفق زوج (عريس) ، ولكن ما الحل في هاتين البنتين اليتيمتين؟ هل يضمهما له مع أمهما كما كان الصحابة يفعلون وهو مَحرمٌ أبديٌ لهما متى دخل بأمهما! لأن القاعدة الفقهية تقول بأن الدخول بالأمهات يُحرّم البنات؟! هل يفعل هذا؟ أم أن العُرف الجاهلي السائد يمنع ذلك ، حيث يجعل من أولاد المطلقة أو المتوفى عنها زوجها دراكولا سيأكل الزوج وسيحول البيت إلى جحيم؟ لقد غلبه العرفُ والتقليدُ والهوى للأسف ، وقالها صريحة: لقد عزمتُ على الزواج منكِ ، لا من بُنيتيك! وإذن فماذا تفعل الأم؟ لقد كانت حيرة كبرى! فأمها ميتة ، وأخواها الكبيران: كل مشغولٌ ببيته وأولاده ، وما أبدى واحدٌ منهما أي اقتراح لحل المشكلة الآنية! وهنا اقترحتْ عليها أختها الكبرى العاقر أن تكفيها مؤنة ابنتيها ، وذلك بأن تضمهما إليها ، وتأخذهما عندها ، وتتكفل بتربيتهما ، وترعاهما حسبة لله تعالى! فتصبح بذلك أماً ونعم الأمهات ، وخالة ونعم الخالات! واستأذنتْ زوجها فوافق على الفور! فكانت فكرة رائعة وسُرّ الجميع بذلك ، وملأتِ البنتان فراغ الخالة الأم وحلتا مشكلة الأم بمُكثهما عند خالتهما! والخالة أم كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -.)
© 2024 - موقع الشعر