ما ذنب النقاب يا قوم؟! - أحمد علي سليمان

يا قوم قولوا الحق دُون تواني
وتورّعوا عن لعنة البُهتانِ

لا تُطلقوا الأحكامَ عن عدل خلتْ
وتقلبتْ في حَمأة العُدوان

ونأتْ عن الإنصاف تحقِرُ أهلها
لمّا تخطتْ مبدأ الرجحان

لم ترتكنْ يوماً لأي أدلةٍ
من بعد أن نكرتْ سنا البرهان

ما ذنبُ أخلاق قلاها أهلها
واستمرأوا حُجيّة النكران؟

مدحوا الفضائلَ ، ثم جاؤوا ضدها
فتجندلوا في التيه والخسران

ذمّوا الرذائلَ ، ثم خطوا دربَها
ومشَوا بلا وجَل ولا حُسْبان

عابوا المعاصيَ ، ثم هم جهروا بها
وأقام معظمُهم على العِصيان

وأقول: ما ذنبُ النقاب إذا أتت
ذاتُ النقاب معائبَ النسوان؟

فتصرفتْ فيهِ ، وما التزمتْ هُدىً
إذ خالفتْ ما جاء في القرآن

وشروطه ما حَققتْ ترجو بها
يومَ الجزا عِتقاً من النيران

لم تتبعْ شرعاً ، ولم تن همة
بل عاندتْ في السر والإعلان

لم تألُ جهداً في مُؤازرة الهوى
وتعبّدتْ أهواءَها بتفان

لم تنتصرْ يوماً لسُنة أحمدٍ
ونجاتُها في سُنة العدنان

لمّا تُجاهدْ نفسها ، فترهلتْ
واستسلمتْ لوساوس الشيطان

ما عظمتْ يوماً شعائرَ ربها
حتى تفوز بجنة الرضوان

كانت مثالاً سَيئاً لا يُقتدى
بفِعاله في عالم النسوان

وأنا أقولُ ، وكِلْمتي مَوزونة
إن حَطها قومٌ على الميزان

ما ذنبُ إسلام له الرعنا انتمتْ
إن قابلتْ ما قلتُ باستهجان

هيَ أسلمتْ ، لكنها ما آمنتْ
فالقلبُ ما عَمَرتْهُ بالإيمان

هي لا تُمثلُ ديننا وكتابَنا
هي لم تُمارسْ مبدأ الإحسان

ليست تمثلُ قط إلا نفسَها
مهما ادّعتْ من مِدحةٍ ومَعاني

ونقابُها منها برئٌ ، والذي
رفع السما وهَدَى بني الإنسان

إن النقاب ليستحي مما أتتْ
منها استجار لربه الرحمن

هو ليس كُلاً ، يا سفيهة ، فاعلمي
يا من جَمعتِ زبالة الأذهان

هو إن أردتِ الحق مَحضُ شعيرةٍ
شُرعتْ لتُهديْ الستَ خيرَ صِيان

لكنهُ ليس الديانة كلها
والقولُ قولي ، والبيانُ بياني

فخذي هُدى الرحمن أخذاً شاملاً
وإذا سألتِ فقلتِ: ما برهاني؟

سأقول: في القرآن نصٌ قاطعٌ
يُفضي إلى التوضيح والتبيان

الدينُ للرحمن ربك واصباً
لا شيئ فيه أتى من الإنسان

فدعي الترهلَ ، واسلكي سُبُلَ الهُدى
تَحظيْ بعون إلهكِ المَنان

مناسبة القصيدة

ما ذنب النقاب يا قوم؟! (كثيرٌ من الناس يربطون بين سلوك بعض المنتقبات المخالف لتعاليم الإسلام والمجافي لشرائط الإيمان والمعارض لأمارات الإحسان ، وبين النقاب كشعيرةٍ من شعائر الدين! والأصلُ أن هذه الانحرافاتِ وتلك الممارساتِ الشائنة لا تُمثل إلا صُويحباتِها! ودينُ الله تعالى برئٌ منها كل البراءة! فمثلاً لا ذنبَ للنقاب أن كانت صاحبتُه لا تحسنُ التصرف ، ولا تدركُ أنها على ثغر من ثغور الإسلام! وأنها بانحرافها تُشجع غير المنتقبات على استحباب التبرج والسفور ، إنه عندما تمارسُ بعض المنتقبات مجموعة من الممارسات السيئة المسيئة ، فإنهن لا يمثلن في هذه المخالفات دينَ الله تعالى! إنما يمثلن أنفسهن فقط! ولا ذنب للنقاب في مثل هذه المخالفات وتلك الانحرافات! ومن الحيف والظلم أن نربط بين النقاب والسلوك الشائن! فنجعل النقاب سبباً مباشراً في الانحراف! كما لا ينبغي علينا أبداً أن نعمم الحكم على جميع الأخوات الحشيمات المنتقبات الوضيئات بأنهن كلهن هكذا! وتخرج لنا الأمثال الملعونة التي تربط بين الانحراف وطاعة الله تعالى في أمر من أوامره مثل: (يا ما تحت السواهي دواهي!) وقول بعضهم في مكر وخبث وخديعة: (لا يغرك النقاب!) وآخر: (المسألة ليست بالنقاب!) وفيلسوف رابع: (الدين ليس النقاب!) ومتنطع خامس: (المتبرجة السافرة خيرٌ من المنتقبة!) إلى غير ذلك من التخرصات والأحاجي والأباطيل والأضاليل! أقول: إن مثل النقاب في هذه المسألة كمثل باقي شعائر الإسلام! فمثلاً: ما ذنب الصلاة إن كان بعض المصلين يسرقون أو يرتشون أو يُرابون أو يُراؤون أو يمنعون الماعون؟! وأيضاً ما ذنب الحج إن كان بعض الحجيج يُجاهرون بمعاصي الله تعالى ويعتدون ويُفسدون في الأرض بغير الحق؟ وما ذنب الصيام إن كان بعض الصائمين يسبون ويلعنون ويتسخطون؟ وما ذنب الأخلاق الحميدة إن كان بعض من ينادون بها لا يعملون بما يدعون الناس الآخرين إليه؟! بل يخالفون عنه صراحة! وما ذنب القرآن إن كان أغلب قرائه مرتزقة أو أخسة لا يُحلون حلاله ولا يحرمون حرامه! إنه لا ينبغي علينا أبداً أن نربط بين الانحرافات وبين شرائع وشعائر الإسلام! ومن هنا رحتُ أكتب هذه القصيدة بشيراً ونذيرا: بشيراً للأخوات الحشيمات المنتقبات لطاعتهن لله ورسوله! ونذيراً للأخوات المنتقبات اللائي تصدر عنهن تصرفات وأقوال لا تليق بالمنتقبات! فليعلمن أنهن على ثغر من ثغور الإسلام! فلا ينبغي أبداً أن يصدر عنهن ، إلا كل ما يغري السافرات المتبرجات على الحشمة!)
© 2024 - موقع الشعر