يا جارة الوادي اليمنية 2 (معارضة لشوقي) - أحمد علي سليمان

يا جارة الوادي زكَتْ رُؤياكِ
وأنا استجبتُ عزيزتي لنِداكِ

ورفعتُ قدرَكِ في لقاء أماجدٍ
رَفعاً يُناسبُ هِمتي ورِضاك

يا ليت شعري كيف هم وطئوا الحِمى
مستأمنين على سنا نجواك؟

أو ليت شعري كيف باحَ كبيرُهم
بالسر ودّعَ في دياركِ فاك؟

أو ليت شعري كيف قومي استقبلوا
وفداً أتانا من قريب حِماك؟

قالوا: تُريدك زوجَها ، قلتُ: اصدقوا
وكبيرُ قومِك ليس بالأفاك

ويمينُه شفعتْ غريبَ كلامه
وعليّ قصّ – مُوَضحاً - رؤياك

فجهرتُ أني أيّمٌ ، أولادُهُ
إن فارقوهُ تجندلوا بهلاك

أنا لستُ تاركهم ، فما أنا خاذلٌ
مِن أجلهم أمشي على الأشواك

وغيابُ أمّهمُ كفيلٌ وحده
أن يُصبحوا في شدةٍ وعِراك

وأنا لِما يَحيَوْن أدركُ حالهم
- إما أعرّسُ - غاية الإدراك

قالوا: ومن تهواك جد مُعيلة
فجلستُ بين الناس دون حِراك

قلتُ: ادرسوا هذا القرارَ ، وأمعنوا
أنا لستُ بالمُفتي ولا النسّاك

أو أشركوها في اتخاذ قرارها
قد يَنفعنْ إن كان بالإشراك

فأخذتُ وعداً أن يُراجعكِ الألى
أرسلتِهم ليُبلغوا فحواك

وبُعيد شهر أقبلوا ببشارةٍ
أن الذي حَمّلتُهم أرضاك

يا جارة الوادي ، وجئتِ ديارَنا
لما اشترطتُ بها بأن ألقاك

شرّفتِ داري والأكارمَ أهلها
سبحان من هذا الهُدى أعطاك

ونساؤهم أيمانُهن تعطرتْ
إذ صافحتْ – عند اللقا - يُمناك

ووطئتِ أرضَ الدر بعدُ حليلة
شرُفَ الثرى لما خطتْ قدماك

ورآكِ أماً كل أولادي الألى
ما أصبحتْ أمٌ لهم إلاك

حُرموا حنانَ الأم حتى جئتهم
فعساكِ أن تهبي الحنان عساك

وعساك أن تتوجعي لشكاتهم
فإذا فعلتِ محا الأذى شكواك

وعساكِ أن تتكلفي إحسانهم
حتى تنالي الأجرَ من مولاك

وعساكِ أن تتفقدي أحوالهم
وتُضمّخي أحوالهم بشذاك

وعساكِ أن تتعهدي أوضاعَهم
وتُلطفي أوضاعَهم بنداك

وعساكِ أن تُهدي إليهم أنسَهم
وعليهمُ أن تسبغي نعماك

وعليّ عهدٌ أن أحقق كل ما
أنا منك طالبه لكي أهواك

وأنا لأبناء الحليلة والدٌ
لأزيل ما تشكين من بُؤساك

عهداً أربّيهم ، وأصلحُ شأنهم
حتى أتوّج بالهنا دنياك

عهداً أعلمهم معالمَ دينهم
الدينُ قبل المال والأملاك

عهداً أصونكِ والعيالَ جميعَهم
حتى تقرّ بما ترى عيناك

عهداً أقدّمُ كل ما ملكتْ يدي
ضِعفَ الذي قد قدمتْه يداك

يا جارة الوادي أعيذك بالذي
خلقَ الوجودَ وبالتقى حلاك

أن تحرصي دوماً على الحق الذي
سيسود إن رَوّيته تقواك

لا تشركي بالله تلك وصيتي
وبمثلها القرآنُ قد أوصاك

وأراك بالتوحيد أشرفَ غادة
حاشاكِ يوماً تُشركي حاشاك

توحيدُ معرفةٍ وإثباتٍ ، فذا
حَتمٌ لمن – يا زوجتي - سواك

وهناك توحيدٌ لقصدٍ ، فاعلمي
والقصدُ معْ طلب فمن مولاك

أدِ الصلاة لوقتها لا تُمْطِلي
جازاكِ ربك بالرضا جازاك

أد الزكاة على النصاب وحَوْلِها
أعطِ الفقيرَ ومن أرادَ عطاك

والشهرَ صومي والنوافلَ حِسبة
إن العيال سيقتفون خطاك

وإن استطعتِ الحج حجي تطهري
معْ مَحرم ليَصُدّ عنكِ عِداك

وحجابُك الشرعي أجملُ سُترةٍ
مَوتي ولا عينُ الغريب تراك

يمنية أنتِ الحَشامة سَمتُها
فتحشمي كي تُحسني عُقباك

أنا لا أريدُك سلعة هانت على
أصحابها ، إني أريد عُلاك

لا تبرحي داري لغير ضرورةٍ
فالخيرُ كل الخير في مَخباك

قرّي ببيتك ، تلك شِرعة ربنا
والله ربي - للقرار - هداك

وتفقهي في الدين كي تسترشدي
لا خيرَ فيكِ إذا اتبعتِ هواك

ويُريدكِ اليمنُ السعيدُ تقية
أسمعت يا زوجي الذي أملاك

ما قيمة اليمن السعيد بلا تُقىً؟
إن التُقى يُنجي من الإهلاك

عُودي إلى القرآن واتلي آيه
هذا الكتاب إلى الرشاد دعاك

وتسوّكي إما أردتِ قراءة
أتقية تحيا بلا مِسواك؟

لا تقربي المِكياجَ خارجَ دارنا
إيماننا إما فعلت قلاك

وإذا برحتِ الدارَ لا تستعطري
كي لا يشمَّ الأجنبيُ شذاك

فإذا فعلتِ سَبيتِ قلبي والحِجا
وجهرتُ في يَمَني: (أنا أهواك)

يمنية أنا قد عشقتُ جوارَها
وإذا سألتِ الروحَ ، قلتُ: فداك

يا رب في المأوى تكون حليلتي
يا ليتني - في الجنتين - أراكِ

مناسبة القصيدة

يا جــارة الـوادي اليمنية! 2 (معارضة لقصيدة شوقي: يا جارة الوادي) (في ولادتها الخامسة توفاها الله تلك المرأة اليمانية شهيدة بإذن الله بنص الحديث! (والمرأة تموت بجُمْع فهي شهيدة). وبقي الأبناء الأربعة عند أبيهم. وله جارة في وادٍ مقارب مشارف في البادية لا تقل عنه حظاً حيث طلقها زوجها الذي كره حياة البادية وآثر الحاضرة ، وتزوج من حضرية سلبت عقله وفؤاده على حد تعبير راوي القصة لي! ورمى ذلك الزوج المفتون بالمسؤولية كلها على طليقته ، تاركاً لها الأولاد غير عابئ بما يتوجب لهم على عادة المستهترين! وذات يوم رأت هذه المرأة المطلقة رؤيا صالحة ملخصها أن أباها المتوفى من عقدين يأمرها بالزواج من هذا الرجل المُعيل المُجاور لواديها في البادية! فحدّثتْ في ذلك شيخ قبيلتها الذي تحدث مع شيوخ القبيلة الأخرى ، وعُرض الأمرُ على الرجل واستجاب شريطة لقائه بها في جَمع من عشيرتها لوضع النقاط على الحروف! واشترط عليها شرطاً اشترطتْه هي عليه! وكان شرطاً عجيباً غريباً في مثل هذه المناسبات! فكان شرطه أن تكون أماً لأولاده لتعوّضهم حنان الأم ورعايتها! وكان شرطها أن يكون أباً لأولادها ليعوّضهم حنان الأب ورعايته! فتخيلتُ الرجل يخاطب (جارة الوادي اليمانية) خطاباً جاداً يضع فيه دستور المعيشة ونظام التعايش! وغريب على بيئة اليمن أن تخطب المرأة رجلاً! ولكنه مَقرورٌ في الشرع الحنيف وهذا يكفي! لأن الحلال والحرام يؤخذ من الشرع كتاباً وسُنة وليس من أحوال الناس ولا من عاداتهم ولا تقاليدهم! واخترتُ أن أعارض أمير الشعراء شوقي بك في قصيدته: (يا جارة الوادي) حيث ارتأيتُ أنها تناسب موضوعنا وعريسنا وعروسنا! والكتابة عن اليمن دَين في عنقي لما لأصدقائي اليمنيين من جميل عليّ في الغربة!)
© 2024 - موقع الشعر