البحترية - حامد حسن معروف

بردی ذَرَا عبِرَ الزمان ، و لملما
وروى لنا سِيرَ الفتوح ، وعلّما
 
عصفت به الذكرى ، فازبد ساخطاً
حيناً ، ولجّ به الحنين ، فغمغا
 
تعب الزمان من المضيّ ، وما ونى
بردی ، فقصّر دونه ، وتقدّما
 
نزل الربيع على وسیم شبابه
في الضفتين الجنتين متيّما !
 
يا للحمى !! خضل الرحاب ، منضراً
متبرّجاً ، عطِراً ، حمى الله الحمی
 
نحن الأولى ، شهد الزمان ، بأننا
منذ الولادة شاعرون ، وقبل ما ..
 
شمخت قِنان جبالنا ، وتطاولت
فعلى مناكبهنّ تتكيءُ السما
 
تهب الجمال مواسماً ، لاتنتهي
من موسم ، إلا لتطلع موسما
 
تهب الجمال منجِّماً ، ولحكمة
تسع الوری ، نزل الكتاب منجَّما
 
راقبتُه ، فأطلَّ ، فاستقبلته
فأشاح ، فاستضحكته ، فتبسما
 
فغمزته . فازورّ . فاستوقفتُه
فارتاع . فاستنطقتُه . فتلعثما
 
فتركته يمضي . فمرّ . فأيُّنا
في مذهب الشعراء كان المجرما ؟؟
 
قالوا : تصاغر مادحاً ، فأجبتُ ما
صَغُر "الوليد" إذا تكسّب معدَما
 
عصرت يد الحرمان مهجته ، ، ولا
حرج إذا انتجع الجريح البلسما
 
ترك المنی حلباً ، وغادرها إلى
بلد أضنَّ هوىً ، وأكرم درهما
 
أنت الذي احتضن الخيال تعلُّلاً
وأنا الذي ارتشف السراب توهُّما
 
خذ كل ممتلَك وهب لي غفوة
يقف الخيال ، بها عليّ مسلّما
 
فكأن ربّك يوم صاغك معدماً
في الغيب أبدعني ، وقال : تألما
 
عار علی کرم السماء ، إذا مشی
فوق البسيطةِ شاعرٌ متظلِّما
 
شبع الوری ترفاً ، وأترع كأسه
لهباً ، وراح یعبُّ مدمعه دما
 
أرنو ... وبي عطش ، وأمسك عفّة
فأنا الذي ورد الفرات مكمّما
 
وأروح مبتسماً ، وبين جوانحي
ما تستحيل به الحياة جهنما
 
قالوا : نشأت معلماً ، وكفى به
شرفاً ، أما بعث النبي معلما ؟؟
 
ورمتك عن لحظاتها حلبيَّة
بورکت مرمياً ، وبورك من رمی
 
سفرت . فأسكرت النديّ ، ومذ رأى
بلج الضحى شَرهَ العيون ، تلثَّما
 
أرِجَ الطريقُ بها إلى "الظهران" من
حلب ، فشم عبيره متنسِّما
 
وامرغ بتربته جفونك ، إنها
عبق ، ولا تطأ الثرى ، متأثّما
 
كل الهوى حلب ؟ فهل ظبياتها
أشهى من العَطِرات في بردى فما ؟؟
 
من كل هازمة الضحی ، عربية
كرمَ الحمی بردی ، وطاب المنتمى
 
سبحان من سفح العقيق ، وصاغه
شفة ، وضرَّج باللهيب . وضرَّما
 
المالكانِ : جمال "علوة" ، والهوى
والمسكرانِ : البابلية واللَّمى
 
وضروب جنات فكل خميلةٍ
ورفت ، ونیسنها الشباب ، وبرعما
 
سحرته جنَّة عبقر ، ونفثنه
وحياً ، فطوّف في خيالك ، وارتمى
 
ذرذرن مائجة السنا في مبسم
عَطِر ، فجاء مضرَّجاً ، ومنمنما
 
لو في ضمير الليل يعبر خاطر
منه تهلل وجهه ، وتبسَّما
 
مسحت به شفتيك "علوة" والصّبا
غضّ ، فكنتَ العبقريّ الملهما !!
 
وسقتك من دُفق الرحیق عُلالة
نزلت على حُرق الشبيبةِ ، والظما
 
غزل ، کوشوشة النسيم مهينماً
ترف البيان به ، وجاء منغَّما
 
تتخير الكلمات ، والصّور التي
تفر الحياة بها ، وتطرح الدمى
 
طلع الربيع الطلق مختالا بها
متبسِّماً ، ويكاد أن يتكلَّما
 
ومدائح ترد الخليفة ، والغنى
فاذا افتقرت ركبتهن میمَّما
 
يعطي ، ويأخذ من مديحك فوق ما
أعطاك ، فمن المتوَّجِ منكما ؟؟
 
هل أتقن الرسام في "الإيوان" ما
أتقنت من صور البيان ، وأحكما ؟؟
 
روم . وفرس . و الدّرفس وربه
والموت يبتدر الكميّ المعلما
 
عقل الصراع لسان كل مدججٍ
بطل ، فشد على الطريدة ، أبكما
 
ويداك "تغتمز" الرسوم ، مشککاً
في أمرها ، "متقرّيا" ، . متوسما
 
وتهدّم "الإيوان" ! لكن شاعر
ضمن الخلود له ، فلن يتهدَّما !!
 
والقصر معجزة الثری ، شمخت به
عمَد ، فصار إلى المجرَّة سلَّما
 
ذُعر الحمام ، وقد ترنّم فوقه
حتى الحمام يخاف أن يترنَّما
 
وكأن "برکته" ودجلة توأم
غيران ، ذو حد ، ينافس توأما
 
كيف السماء تطامنت ؟ و تركَّبت
فيها ؟ وكيف نثرت فيها الأنجما ؟؟
 
أما وفود الماء معجّلة ، فهل
طبخ المليك لها الثريد ، و قدَّما ؟؟
 
هب شابه الماءُ الجيادَ ، وفاقها
جرياً ، فهل صهل الغدير ، وحمحما ؟؟
 
صور من الصحراء ، كنت أودها
أندى على أذن السميع ، وأنعما
 
هوِّن عليك ، فما انتقدتُ ، وانني
متأخر ، لايدرك المتقدما !!
 
والفاتك العجلان ، كيف تركته
يطأ الخليفة ، والحمى متقحِّما ؟؟
 
لو كان سيف "أبي عبادة" حاضراً
صبغ البسيطة بالنجيع ، وعندما
 
شتانَ بين أخ البیانِ ، متمتماً
وأخِ المعاركِ في الصراع ، مدمدما
 
لو جرَّد الشعراءُ كلَّ مهند
ضحكَ البغاثُ عليهم ، و تهكَّما !!
 
لكن ... إذا قلمٌ من القصبِ انبری
في غارةٍ هزم السيوفَ ، وحطَّما
 
هوِّن عليك !! فما انتقدت ، وانني
متأخر ، لا يدرك المتقدِّما
© 2024 - موقع الشعر