عاشق عزيز النفس (معارضة يا من هواه) - أحمد علي سليمان

يا من هواهُ أعزني وأذلهُ
وفؤادُه بمحبتي مُتوالهُ

بذل الكثير لكي يُعلقني به
كشفتْه لي أخلاقه وفِعاله

كم قال عني في المجالس صادقاً
إن المُحب تُبِينه أقواله

كم صد عني من وشاية حاقدٍ
حتى أقول: جميلة أعماله

ولكم تعمد أن يُسامرَ خاطري
بالذكريات تزينها أطلاله

ولكم تكلفَ كي يُهِيجَ مشاعري
وأراه تجرحُ همتي أفضاله

ضحّى بما ملكتْ يداه ليجتني
زهر المحبة بالوداد يناله

عانى وقاسى في مكابدة الهوى
حتى نأتْ – عن رٌشدها - أحواله

وأنا أجرّعُه الصدود تدللاً
وبرغم ما يُضفي عليه دَلاله

وأنا الذي أحببته الحب الذي
صادت فؤادي والحجا أغلاله

وأعيش بدراً في سماء تولهي
وهو الذي ما هلَّ بعدُ هلاله

متعففاً أحيا ، وأقمعُ صبوتي
كي لا يكلفني الكثيرَ وصاله

أنا لستُ عبداً للذي أهوى ، ولا
أنا أستفز بما يُعَز نواله

أنا عبدُ من خلق العوالمَ والسما
والأرضَ ، ربِ الناس جل جلاله

لم يُنسِني حبي لرضوى أنني
أحببتُ رباً يستحيلُ مثاله

فلئنْ أذلكِ حُبُ مثلي ، فاعلمي
أني إذا أذللتُ زالَ جماله

ورأيتُ فيكِ حبيبة لا ترعوي
للعز في حُب خبتْ آماله

شرعَ المليكُ الحب يغمرُ عيشنا
نوراً بعيش يعتريه زواله

حبٌ يُعَز نساؤه وفقَ الهُدى
ويُعَز رغم لظى الغرام رجاله

ما الحبُ إنْ بذل الحبيبُ إباءهُ؟
تعساً لحب كالسعير نكاله

أنا لستُ أشكو الحب ، لكن أشتكي
من أسرفتْ فيهِ ، فزاد وَباله

أنا ما ظلمتُك يا حبيبة ، إنما
أشقاكِ حبك إذ دهتْكِ نِباله

فلأقعدن على الطريق مُحذراً
مَن حبُها ذبح العفافَ ضلاله

فتوهمتْ أنْ لا حياة بدونه
فطغى على القلب الكسير خَباله

فأحالها أمة تملكها الهوى
فحرامه منهاجُها ، وحلاله

أحْببْن من شئتُن يا غِيدَ الحِمى
لكن بشرع الله جلّ جلاله

وعلى هُدى سَنن النبي (محمدٍ)
طاب النبي وعُظمتْ أفعاله

صلى عليه الله مادامت سما
فوق الدنا ، بأبي النبيُ وأله

وصحابُه من هاجروا أو ناصروا
بُشرى لهم ، ونساؤه وعِياله

يا رب صل عليهمُ ما أشرقتْ
شمسٌ ، وضاء قمَيرٌ وهلاله

مناسبة القصيدة

عاشقٌ عزيزُ النفس! (وهذه مُساجلة شِعرية لقصيدة الشاعر نزار قباني: (يا من هواه!) وأسجّلها لأول مرةٍ مُغيّراً فيها قافية نزار النونية إلى لاميةٍ مشفوعةٍ بالهاء! وأقلبُ دَفة القصيدة رَأساً على عَقب , حيث تناول نزار تصوير العاشق ذليل النفس منكسر الفؤاد خائر القوى أمام الحب ومُلهمته! وذلك عندما انبطحَ أمامها مُقراً بهزيمته وذله بين يديها! ومُعترفاً بجَبروتها وقوَّتها وقدرتها الخارقة على إذلاله ، لدرجة أنه سيقعدُ على الطريق شاكياً العشيقة لسلطان الهوى مرة ، ولرب العالمين تبارك وتعالى مرة أخرى! ويُصورُ لنا كيف جلب ذلك العاشقُ الولهانُ الذلة لنفسه والعزة لعشيقته! حيث كان عِشقها له وتولهه بها سبيلاً إلى إذلاله وعِزتها من أول لحظةٍ في حبها ، ومن أول بيتٍ في قصيدته! وعُموماً المساجلة الشعرية فنٌ من فنون الشعر العربي ، وهو معروفٌ من عهد امرئ القيس إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة! فلستُ أول من يُساجل شاعراً آخر ، ولن أكون الأخير! والشعر رحمٌ بين الشعراء! ونزار قباني وإن اختلفنا في المادة الشعرية وموضوعها وفحواها وجوهرها ، سيبقى للرجل كونه شاعراً عملاقاً تمكن من الشعر وتمكن الشعرُ منه! وديوانه بين أيدينا يشهدُ بذلك! وقصيدته: (يا من هواه) عشرة أبياتٍ لا تزيد ، طارت في الآفاق وغناها من غناها في القديم والحديث! وبها خطآن لغويان – وأنا متأكد أن نزاراً لم يقصدْهما ، ولكنْ وقع ذلك منه سَهواً لا عَمداً ، والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأبر وأكرم! والخطآن هما قوله: (ولأشكينك) وقوله: (ولأدعين) والتصويب: (ولأشكونك – ولأدعون). ومُساجلتي الي قوامُها ثلاثون بيتاً على ذات البحر مع تغيير القافية! والحكمُ على النصين متروكٌ للنقاد وللجمهور وللتاريخ! وكنتُ قد صورتُ كيف أصابَ العشيقة التواله - وهو الحب والتعلق بالمحبوب لدرجة الجُنون – أصابَها بالعتَهِ وألحق بها الذل والهوان! ولقد كان الداعي إلى هذا السجال الشعري أن سبقني إليه الأستاذ الشاعر محمد الغبر عندما ساجل نزاراً هو الآخر بعشرة أبيات! فأدليتُ بدَلوي على تخوفٍ من الفشل! ويبقى لي شرفُ المحاولة!)
© 2024 - موقع الشعر