طيفان

لـ حامد حسن معروف، ، في الرثاء، 1

طيفان - حامد حسن معروف

طيفانِ: طیفُ أبي ، وطيفُكَ سلَّما
لولاهما لا أشتهي أن أحلُما
 
نزلا على جفنيَّ، ثمَّ تسرَّبا
وتوزَّعا في كلِّ جارحةٍ دما
 
هزيء الدُّجى منِّي، وأجفلَ ساعدي
لمَّا ضممتُ كليهما متوهِّما !!
 
طيفانِ في كبدي، وفي جفني، وما
أشهى، وما أحلى، وما أندى، وما ...
 
عبثا بكلِّ جوارحي وعواطفي
ما حيلتي وهُما أنا ، وأنا هُما ؟؟
 
يا ظاعناً عنِّي، وما ودَّعتُه
هلَّا تباطأتِ الظَّعائنُ ريثما ...
 
أنا ما علمتُ ببعض ما عانيتَه
منْ أينَ ليْ ؟ منْ أينَ ليْ أن أعلما؟
 
وأنا الحزينُ وإن تضاحكَ ثغرُه
و إذا تماسك دمعُه، وإذا همَى
 
هل تذكرنَّ غداةَ زرتُك عائداً
وأبى الطَّبيبُ عليك أن تتكلَّما
 
طلع الصَّباحُ صباحُ وجهكَ باهتاً
متجَهِّماً وعهدتُه متبَسِّما ؟
 
أنا والطَّبيبُ مع الأسى في غرفةٍ
نزل القنوطُ بها، وطافَ، وخيَّما
 
خبَّأتُ بين أضالعي حُرَقاً، ولو
غادرنَ أضلاعي حرقنَ الأنجما؟
 
يا من أدار عيونُه فتثاقَلتْ
وأرادَ بعضَ حديثهِ فتلعثما !!
 
فحُرمْتُ حتَّى نعمياتِ حديثِهِ
ومن المرارةِ والأسى أن أحرما
 
أو ما ترى الغُصصَ المريرةَ مزَّقتْ
صدري، وضجَّ بهِ الحنينُ، فغمغَما
 
أشعلتُ کلَّ جحيمِ نار ٍ في دمي
حتَّى استحال دمي، وصار جهنَّما !!
 
هل تذكرنَّ وما إخالُكَ ناسياً
عهد الصِّبا الحالي وكيف تصرَّما ؟؟
 
والمجدُ كلُّ المجدِ في غُلوائهِ
في ظلِّ بيتِ أبيكَ خيَّمَ ، واحتمی
 
بيتٌ تجاوز في توثُّبِهِ المدى
فإذا نزلت به سموتَ على السَّما !
 
ومضيتَ تنتعلُ النُّجومَ إلى العُلى
وقد اتَّخذتَ حبالَ شمسِك سُلَّما
 
لا تعبأنَّ اذا تثعلبَ حاسدٌ
واذا تنكَّبَ قوسَه ، وإذا رمی
 
أنا لا أضيقُ بحاسدٍ، وعتابُه
عندي وعندكَ أنْ نعفَّ ونحلُما
 
فالعينُ يرمُدها الضُّحى متوهِّجاً
وتكونُ أقرب ما تكونُ إلى العمی
 
وأبيتَ أن تردَ السِّياسةَ منهلاً
متغيِّراً ، كدرَ المواردِ ، علقما
 
ورأيتَ إنسانَ السِّياسةِ دميةً
وأبى إباؤُك أن تكونَ من الدُّمى
 
يمتاح عطفهمُ ليحرزَ منصباً
ويبيعُ عزَّتَه ليقبضَ درهما !
 
أنا ما عملتُ لها، ولم أعمل، ولو
خضتُ الغمار غمارَها لن أهزما
 
مهما تبرَّجتَ البغيُّ فحبُّها
يبقى على المتعفِّفينَ محرَّما !
 
قالت لكلِّ مسائلٍ عنِّي : لقدْ
راودتُه عن نفسهِ فاستعصما
 
عشقَ الطَّبيعة جدولاً وخميلةً
ورأى ابتسامة كلِّ سوسنةٍ فما ؟
 
وترشَّف الشَّفق المضرَّجَ، واغتنی
فيه عن الشَّفةِ الخضیبةِ ، واللَّمى
 
حسبُ الطَّبيعةِ أن تكونَ عشيقةً
حيناً ، وملهمةً تغازلُ مُلهَما
 
نشرَ الشِّراعُ على الخضمِّ ظلالَه
ومضى ، فصادفَ عاصفاً، فتحطَّما
 
فاذا تنهَّدت التِّلالُ عطورَها
وإذا تھامسَ جدولانِ، وتمتَما
 
وإذا انسكبت رشاشتينِ منَ السَّنا
وطلعتَ في شفةِ الأزاهرٍ بُرعما
 
ورمی بك الشَّلَّالُ أغنيةٌ على
سمع ِ الدُّجا ، وأعادها مترنِّما
 
وإذا استحلتَ خميلةً لا تنتهي
من موسمٍ إلَّا لتطلعَ موسِما
 
لا تبخلنَّ عليَّ بالطَّيفِ الذي
أسكنته بدلَ الجفونِ الأعظُما
 
لا يرتمي وهْناً على جفني، وإنْ
هدأ الدُّجا، واحدَ عشرَ اللَّيلُ ارتمی
 
نمْ مطمئِّناً فالقضيَّةُ في يَدَيْ
حامٍ يذودُ عن العروبةِ والحمی

مناسبة القصيدة

إلى روح صديقي الدكتور محي الدين مرهج الدريكيش في ١٣ / ٥ / ۱۹۷۹
© 2024 - موقع الشعر