الوطن الغبي

لـ حامد حسن معروف، ، في الرثاء، 2

الوطن الغبي - حامد حسن معروف

ذكرى أبي فرج ٍ على الأسماع ِ
نغمٌ وجيعُ اللَّحنِ والإيقاع ِ
 
ذكراهُ مثلُ نَعيِّهِ، ونَعيُّهُ
حُرَقٌ جمدْنَ على شفاهِ الناعي
 
عبرَ الحياةَ وكلُّ موقعِ خطوةٍ
دُنيا من العثراتِ والأوجاع ِ
 
ويرى الصِّراعَ مع الحياةِ عقيدةً
ما قيمةُ الدُّنيا بغیرِ صراع ِ؟
 
أعطى وأبدعَ، والحياةُ مدينةٌ
للجُهدِ، للمُعطينِ، للإبداعِ
 
الشعبُ .. كانَ الشعبُ يُلهبُ ظهرَه
سوطانِ : سوطُ الحُكْمِ والإقطاعِ
 
وضمیرُ جلَّاديهِ بين مُعطَّلٍ
مَيتٍ ، وبين مؤجَّر ٍ ، ومُباع ِ
 
فَحَنا علی زفراتهِ وجراحهِ
ومضى يُدافع دونَه، ويُداعي
 
ويذودُ سوطَ الظُّلمِ عن أكواخهِ
و حُفاتهِ، وعُراتهِ، وجياع ِ
 
جدلٌ، ومنطقُ حُجَّةٍ ، وكلاهُما
يفضي بسامعهِ إلى الإقناع ِ
 
هذا الفقيرُ وكلُّ كلِّ فضيلةٍ
في كوخه .. في كوخِه المُتداعي
 
منعوهُ من ألقِ الصَّباحِ ودفئِهِ
فالصُّبحُ -عند القوم- غير مُشاع ِ
 
شتَّانَ ما بينَ الحياةِ تضجُّ في
قصرِ الأميرِ، وبين كوخ ِ الرَّاعي
 
ومضى الشَّبابُ مع الزَّمانِ ولم يزلْ
يسعى وأسعى ، والحياةُ مساعي
 
نمضي ، وننتعلُ اللَّهيبَ ودربُنا
جمرٌ، وأشواكٌ وفحُّ أفاعي
 
ألعابران على الخضمِّ تحدَّيا
هوجَ الرّياح ِ ، ودمدماتِ القاع ِ
 
تمضي، ولا تطوي شراعَك هازئاً
بالعاصفات، ولا طویتُ شراعي
 
وأضاعَنا الوطنُ الغبيُّ ولم أجدْ
حُرَّاً بأرضِ العُربِ غير مُضاع ِ
 
وطنٌ تمرَّغَ بالجريمةِ والغِنى
وجهنّمِ الشَّهواتِ والأطماع ِ
 
خَبَتَ الضَّميرُ ، وعاشَ مضطرباً بهِ
کالكأسِ بينَ أناملِ المرتاع ِ
 
أنا لستُ بین الحاقدينَ ، وإنَّما
أخشى ضياعَ بني أبي وضياعي
 
متَّى !! ومتَّى غيمتانِ من الشَّذى
تتهدَّلان ، ومهرجانُ شُعاع ِ
 
کمْ وقفةٍ لي مع أبي فرج ٍ علی
عطراتِ مُنعطفاتهِ، وتِلاع ِ
 
وعلى التِّلالِ النَّاهداتِ عنادِلٌ
وعلى السُّفوح ِ الحالماتِ مراعي
 
والشَّمسُ ترسلُ رشَّتين من السَّنا
فوق الذُّرا العطِراتِ عندَ وداع ِ
 
وتمرُّ بي نسماتُه تعبى .. ومن
ثِقَلِ العبيرِ عبرنَ غیرَ سِراع ِ
 
لا يُغضبنَّكَ إنْ هجرتُ قصائدي
وإذا سكتُّ فللسُّكوتِ دواعي
 
فالدَّهرُ يبدعُ ما يشاءُ، وربَّما
مُسِخَ الشُّجاعُ فصارَ ظلَّ شُجاع ِ
 
هذي السَّماءُ بعيدةٌ، ويودُّ أنْ
يقتادَ أنجُمها قِصارُ الباع ِ
 
ملأتْ عنابرَهُمْ غلالُ بیادري
والشَّوكُ في كبدي، وفي أضلاعي
 
عذراً إذا انتحبَ البيانُ على فمي
فالقافياتُ ثواكلٌ ونواعي
 
لملمتُ من حُرَقي عليكَ حُروفها
وغمَّستُ في وهج ِ الحنينِ يراعي
 
ويزورُ طيفُك مقلتيَّ مع الكرى
فأكادُ من لَهَفي أمدُّ ذراعي
 
وأنا على شطِّ الحياةِ سفينةٌ
حيرى .. ولا أدري متى إقلاعي
© 2024 - موقع الشعر