وطن الملاحم - حامد حسن معروف

وطنُ الملاحمِ والشَّهادةِ والدَّمِ
أنا أنتمي لك لا لغيركَ أنتمي
 
قبَّلتُ تربَك عاطراً ومسحتُه
فإذا الصَّباحُ على يديَّ وفي فمي
 
أطأ الثَّرى حذرَ الخطا وكأنَّني
أمشي .. ولكنْ في حُطامِ الأنجمِ
 
هذي الذُّرا ، وعلى مدى آفاقِها
نسرٌ يحلِّقُ أو شهابٌ يرتمي
 
یا موسمَ الشُّهداءِ إنَّ بني أبي
كانوا - وما برحوا - قطافَ الموسمِ
 
لكَ يا "عليُّ" أمام عيني صورةٌ
مرسومةٌ ، وخبيئةٌ لم تُرسمِ
 
أكبرت يومك مأتماً وكأنَّما
من كبريائِك كبرياءُ المأتمِ
 
خجلَ البيانُ، وضاقَ عنكَ وأسكتتْ
شعري قصيدةُ صمتِكَ المتكلِّمِ
 
والهادراتُ من الجراحِ قصائدٌ
قنصتْ خيالَ العبقريِّ الملهَمِ
 
ألحقدُ والغدرُ الجبانُ كلاهما
يتوكَّآنِ على الضَّميرِ المجرمِ
 
اللَّيلُ واللَّعناتُ في جَنَبَيْهما
ولهاثُ کلِّ جهنَّمٍ ، و جهنَّمِ
 
كم صُرَّعٍ للغدرِ في وطني وكمْ
من ثاكلٍ ولهى ، وكمْ من أيِّمِ
 
الساجدونَ إلى الحضيضِ إذا بدا
لهمُ - ولو عَرَضاً - خيالُ الدِّرهمِ
 
صُورٌ خلونَ منَ الضَّميرِ كما خلا
من نعمياتِ العيشِ كفُّ المعدِمِ
 
يتفجَّرونَ أذىً فشولةُ عقربٍ
في كلِّ جارحةٍ ، وفحَّةُ أرقمِ
 
وعلمتُ كيفَ مضوا وجرحُكَ هادرٌ
لم يسكتوهُ وليتني لم أعلمِ
 
وعلمتُ كيف زرعتَ في قسماتِهم
نظرَ الرَّحيم ، وبسمةَ المتهكِّمِ
 
قلْ للعدالةِ - والزَّمانُ كما تَرى -
إنْ كان وجهُكِ سافراً فتلثَّمي
 
ألغدرُ يمتهنُ العدالةَ هازئاً
ويظلُّ يذبحُها إذا لم يُلجَمِ
 
والغدرُ أجرأُ ما یکونُ إذا رأى
في النَّاسِ لينَ عدالةِ المتحكِّمِ
 
قسماً بثأركَ وهو أقدسُ ما أرى
وبغير أقدسِ ما أرى لم أقْسِمِ
 
أنا لا أرى أنَّ الجناةَ تحدَّروا
من طلسمٍ وتخبَّأوا في طِلْسمِ
 
ومن المرارةِ أن نروحَ ونغتدي
وندورَ لكن في المتاهِ المبهمِ
 
فاطرحْ أناتكَ جانباً واجنحْ إلى
غضبٍ يقودُك في الطَّريقِ الأقومِ
 
آمنتُ بالغضبِ النَّبيلِ إذا بدا
متأزِّماً في الموقفِ المتأزِّمِ
 
قدمَ الرِّفاقُ ومن تأځَّرَ منهمُ
آتٍ لیزحم موكبَ المتقدِّمِ
 
وأخالُ أنَّكَ بيننا متوهِّماً
فأضيعُ بین حقیقتي وتوهُّمي
 
قلْ للضُّحى : إن شئتِ لملمةَ السَّنا
فتوسَّدي جدَثَ الشَّهيدِ ولملمي
 
وتوهَّجتْ فسألتُ : هل دُفقُ الضُّحى
طلعَ الصَّباح بهنَّ ، أم شُعلُ الدَّمِ ؟
 
لكَ يا "عليُّ" أمامَ عيني صورةٌ
مرسومةٌ ، وخبيئةٌ لم تُرسمِ
 
ستحولُ في وترِ الشَّهادةِ نغمةً
وعلی ذبیح ِ الفجرِ رشَّةَ عندمِ
 
وغداً إذا نزلَ الشِّتاءُ نُحِسُّهُ
في الجدولِ المترنِّح ِ المترنِّمِ
 
وإذا الرَّبيعُ أتی سيوقظُ دِفْؤُهُ
في البُرعمِ الغافي عطورَ البرعمِ
 
وطنَ السَّنا ، وطنَ المنى وطنَ الدَّمِ
أنا أنتمي لكَ لا لغيرك أنتمي
 
للوحدةِ الكبرى أعيشُ ودفئِها
في القلبِ في دفءِ المنى في الأعظُمِ
© 2024 - موقع الشعر