حياة القبور رحلة طويلة! - أحمد علي سليمان

سنرحلُ لا محالة للقبور
ونُبعثُ كلنا يومَ النشورِ

وبعد الموت نُصبحُ بعضَ ذكرى
وينسانا الصغيرُ مع الكبير

وكم في القبر يا كم من عِظاتٍ
تُحيّرُ كل عقل مستنير

وكم موتى وهم أحياء فينا
وكم أحياء ماتوا من دهور

علمتُ القبرَ يبلو كل عبدٍ
ويكشفُ ما يخبئ من أمور

فعبدٌ جاءه فرحاً فخوراً
فيا بُشراه من فرح فخور

بأعمال تُشرفُ مَن أتاها
تُؤهلهُ إلى خير المصير

جنان الخلد كانت خير عُقبى
وباء الفذ بالفوز الكبير

لمثل مصيره فليسعَ قومٌ
إذا راموا النجاة من الثبور

ورب الناس عنهم بعدُ يرضى
لذا سعدوا بمرضاة القدير

وعبدٌ جاء مبتئساً لقبر
وهل يُجدي ابتئاسٌ في القبور؟

تنكرَ للهُدى ديناً ودنيا
ولم يكُ في التنكر بالصير

وجاهرَ بالكبائر والدنايا
تماماً مثل أصحاب السعير

وأوغلَ في الضلال بكل عمدٍ
وهل تأتي الضلالة بالخيور؟

وتابعَ من طغوا سمتاً وهدياً
وخالفَ سُنة الهادي البشير

وعاندَ لم يُطع لله أمراً
ولم يحفل بنصح أو نذير

وبالغ في اللجاج بدون جدوى
فما جدوى العتو أو النفور؟

وقضّى العمرَ في قِيل وقال
وكم خربَ البيوتَ بقول زور

كأن الحق مُلتبسٌ عليهِ
فعاش لغيّهِ مثلَ الأسير

فأدخِلَ قبره في شر حال
وفي يوم عبوس قمطرير

فمن يُنْجيهِ في شأن كهذا؟
يقيناً ما لهذا من مُجير

إذا غضبَ المليكُ على شقي
فهل يُنجيه من حال عسير؟

وقبرُ العبد إما الروضَ أمسى
من الجنات ينعمُ بالسرور

وإما حفرة من نار ربي
تُصَلي من توشّحَ بالشرور

فبادرْ بالمتاب من المعاصي
تُخلفك المعاصيْ بلا ضمير

فذرْها ، واستعذ بالله منها
ولا تنصتْ لوسوسة الغرور

وأبصرْ دربَ من ركبوا المعالي
وجدوا في التقدم والمسير

فما استويا البصيرُ يجوسُ درباً
بآخرَ عن مسالكه ضرير

حياة القبر معتركٌ طويلٌ
فجدّ السيرَ ، وامهدْ للعبور

ورحلة قبرك المحتوم طولى
ألم تُدفنْ جسومٌ مِن عُصور؟

وفي الدنيا سِنيك بعدُ عُدتْ
تأمّلها ، ولا تكُ بالغرير

وكيف تقيسُ دنيانا بأخرى؟
وهل طولى تُقارَنُ بالقصير؟

وإن نعيم دنيانا سيفنى
وإنْ مولاك خصّك بالكثير

وما لنعيم أخرانا زوالٌ
فكيف تقيسُ غال بالحقير؟

وقاك الله طارقة التدني
فكنْ في وزن أمرك بالخبير

يمينَ الله ناصحتُ احتساباً
وأجري عند مولايَ الغفور

© 2024 - موقع الشعر