ولكن الله سلم يا يوسف! - أحمد علي سليمان

اشكرْ لربك - إذ أجارك - ، واسجُدِ
وزدِ التضرّعَ والتعبّدَ ، واحمَدِ

واعلمْ بأن الله بالغ أمرِهِ
فاصبرْ على مُر القضاء ، وغرّد

هذي هي الدنيا ، وذلك سَمتها
وصنيعُها ، فامهدْ لنفسِك ، واهتد

والمرءُ بين بلائها وهنائها
وشقائها وعذابها المُتجدّد

واسأل عبيداً جرَّعَتْهم سُمّها
فغدَوْا كمثل البائسين الشّرّد

لم يَفطنوا لمَرارها وفتونها
وسعيرِها المُلتهّب المتوقد

وأبوك أعْيته المصائبُ جمّة
حتى استكان - لها - بقلب مُكْمَد

عظمَ البلاءُ ، وللدغاول وقعُها
في نفس عبدٍ مُحُبطٍ مُتوجّد

صُورُ الفنا شتى ، وأعتاها إذا
ذهبَ الفنا يوماً بصفو المَوْرد

وفزعتُ إذ قالوا الفتى في مِحنةٍ
ولسوف يخضعُ - للجراحة - في غد

فقصدتُ أهل الطب ، أستبقُ الخطا
والله يعلمُ وحده ما مَقصدي

فسألتهم ، والخوفُ يغمرُ همّتي
والقلبُ بين مُكبّل ومُطرّد

والقومُ ما احتفلوا بعَبرة والدٍ
تُضنيه أنة مُستضام مُجْهد

أمسى تُشاطرُه الهمومُ حياته
فيُفيقُ مُشتغلاً بطول تهجد

ويظلُ يعتصرُ النحيبَ مُعانياً
مِن عالمٍ يحيا بليل أسود

وفتىً سَقته العائداتُ كؤوسَها
فبكتْه - مِن أهليه - خفقة أكْبُد

ورَثتْ - لحال الطفل - أفئدة ثوتْ
وتأسفتْ كَمداً لأبئس مَشهد

أرأيتُ أمّك ، والوجومُ يؤزها
والبؤسُ يُزري بالشباب الأغيَد؟

تبكي ، ويُفقِدُها الوجيبُ ثباتها
ودموعُها انحدرتْ كبحر مُزبد

وأنا أخففُ ما تعاني من أسىً
وأقول: رفقاً يا حليلة ، واصمُدي

وأكرر: احتسبي البلية ، واصبري
وأسوقُ أذكاراً ، وأجهر: ردّدي

وأسوقُ مِن قصص النبيين الألى
خاضوا البلاءَ بهمةٍ وتعبّد

وأسوقُ مِن سِير الصحابة علها
تهدي لحال مُستساغ أرشد

ورأيتُني والدمعُ يخنقُ خاطري
إذ قال قائلهم بدون تردّد:

عَزتْ سلامته على مَن طبّبوا
ونجاته حتماً ستُفلتْ مِن يدي

وخِلافه رهط أمرُّ مِن الردى
ماذا نؤملُ مِن عُتاة عُند؟

يا أهلَ ذكْر الطب لا تتمرّدوا
فقد افتريتم بعد طول تمرّد

كم غرّ بعضَكمُ الغَرورُ بكيده
خابَ الغَرور بما يؤزّ ، ويعتدي

وهل الشِفا رهنٌ بما تُزجونه
مِن طب مطموس البصيرة أنكد؟

الطبُ أشرفُ رتبة ومكانة
الطبُ محرابٌ ، وومضة فرقد

الطبُ أرفعُ مِن تزيُّد جاهل
كال الكلامَ بمنطق المتزيد

ليقود - نحو اليأس - قلبَ معذب
ثوبَ الكرامة والشجاعة يرتدي

فطفقتُ أوسعُه بنصح مُخبتٍ
أملاه طولُ تذللي وتهجدي

يا صاحبي ، وفرْ تشاؤمك الذي
يُردي كَسهمٍ في الجوانح مُقصِد

إنا لأهلُ عقيدةٍ وشريعةٍ
ومُصابنا الأعتى بفقد (مُحمد)

فيم التلاعبُ جهرة بعقولنا؟
إن الشفاء مِن المليك السيد

لو شاء ربُك أن يعيش مريضُنا
فلسوف يحيا ، فامتثلْ لا ترعد

ولئن أراد الله موت سقيمِنا
سيموتُ - ما هو في الحِمام - بأوحد

واللهُ مَنَّ - على الغلام - بجُودِهِ
وأقرّ أعيننا بنجْح مُرفِد

أنجاه مِن موتٍ زؤام مُحدق
وحياته كم أذهلت مِن عُوَّد

سبحانك اللهم سَلمتَ الفتى
مِن مِيتةٍ ذهبتْ بصبر الشُّهَّد

© 2024 - موقع الشعر