وخز الضمير - أحمد علي سليمان

على صرختي راح يأسى الضميرْ
ويُعلن - في الخافقين - النذيرْ

وفجّر - في النفس - بركانها
وأوقد ناراً بقلبي الكسير

وأدمى الفؤاد ، بآهاته
وزلزل وهْمَ الشحوب الخطير

وشيّد صرح الأسى في النهِيَ
وحطم في الجوف حتى الزفير

ودمدم - فوق الرؤوس - الدنا
وهشّم - في الروح - بأسَ الضمير

وشوّه معنى الغرور الذي
يُغذيه زيفُ العَوار المَرير

وقطعَ ألويه المعتدي
ومزّق فحوى الجفاء العسير

وقال الضمير: تأهبْ وقمْ
وزايلْ نواحَك هذا الضرير

وإن المُوحّد لا يرعوي
وفوق المصائب - شهماً - يسير

ويحيا يُسَلّم أمر الحيا
ةِ وأمر الممات لرب قدير

ولا يعبأنْ بصنيع الورى
فقلبُ الموحد قلبٌ كبير

وإن الموحد يخشى الإل
ه ، بتقوى المليك حري جدير

وفي النائبات قويٌ صبو
رٌ ، وليس يخور لأمر عسير

ألا يا موحد أنت المُنى
وصوتك - في الحق - صوتٌ جهير

فأنت الجسور الذي لا يها
ب ، فكيف يهزك أمرٌ صغير؟

عهدتُك ليثاً تحب الصعا
ب ، وكنت لصحبك نعم الظهير

تذود عن العِرض ، والمَكرما
تِ ، وحبك للخير حبٌ وفير

وتسمو بعِرضك عن زلةٍ
وعن كل فعل وضيع حسير

فراجعْ فعالك ، لا تنفعل
فعُقبى التسرّع داءٌ مرير

تأملْ تر القوم قد جُندلوا
وأنت بنصر الإله قرير

وخافَ الأشاوسُ مِن نصرتي
لتشويشهم ، والنفاق الكثير

وقد خانني الكل ، لم ينصفوا
ووجهيَ قد شع منه النمير

وإني الصريحُ الذي لم أخف
وقد قلتُ حقاً بدار تمور

وأمرُ براذينها هالني
تمجّ اللجامَ لفقد الشعير

ويقتلها الغم إن غُيبتْ
عن الماء ، أو عن فراش وثير

تردتْ - هنا - أسفل السافلي
ن ، وإني - بفعل المطايا - بصير

سلوني ، أجبكم عن الأرذلي
ن ومن يعبدون سراب الأمير

سلوني أجبكم ، فلست الذي
يخاف السياط ، ويخشى الصفير

وليست تؤثر فيّ الخطو
ب ، فإني - بفضل الإله - النصير

قويٌ عليها ، وجَلدٌ بها
ولو نال مني غبارُ النفير

وإن أرّقتني تلالُ الهشي
م فإني - هنا عند ربي - أجير

ولستُ أراني الوحيدَ بها
كذلك لستُ أراني الأخير

فإني إذا عشت لستُ الذي
سيَعدم قوتاً بوادي البعير

وإني إذا مِتُ لستُ الذي
سيعدم قبراً بأرض القبور

ولكن إذا عشت لا أستكي
ن لهذي الشياطين كالمستجير

أعرّيهمُ دائماً ، ما حيي
تُ ، أشدّد - فوق الخزايا - النكير

وأعلِنُ كرهي لأذنابهم
وأبئسْ بقوم همُ مِن عشير

وإني نذرتُ لهديي دمي
ولن أرتضي - قط - عيش الأسير

حياة العبيد تذلُ الجبا
هَ ، وتُزهق روح الخطيب الجهير

خلقتُ لأعبد رب الورى
وليس لكنز المتاع الحقير

وعاد الضميرُ إلى خيمتي
يُسائلني عن رُهيطٍ أجير

رهيطٍ يغش البرايا ، فلا
يكفّ عن النبح عبر الأثير

يخادع بالهَدي بعض الورى
يراه الجميعُ الفصيحَ الشهير

ومظهرُه مظهرُ المتقّي
وفي السحْر ليس له مِن نظير

يرجّ المنابر ، يبكي أسىً
على حالنا البائس المستطير

له صوتُ سحر يرجّ القلو
بَ ، وليس الذي يكتفي بالنعير

ولكن يزمجر فوق الرؤو
س ، يهز بآهاته كالهدير

وإن تسألونيَ عن حاله
فإني بحال العميل خبير

يضحّي بأقرانه لقمة
لأعدائه بعد موت الضمير

كأني به طوْعّ شَيطانه
وإن نِيلَ شيطانُهُ يَستجير

وأعطيتُهُ الأمن حَتى أتى
علىَ خَيمتي بالمَنَايَا يُغير

وقُلتُ: سَيرجع عن غَيِّه
وأمرُ العَمالات أمرٌ يسير

فما تاب عن فعل نّذلِ عمي
ل ، ولكنما الأمرُ حَقاً وعير

إذِ القلبُ ردَّ الهُدى والتقى
تناسى المَنَابرَ ، بل والزَّئير

تناسى (ابن قُطبِ) بأنوراه
تعامى (ابن تَيمِيَةَ) المُستنير

تعامى عنِ الحقِّ ، لم يستجبْ
تناسى اللياليْ ، تناسى الصرير

فيا للأسى ، إنها لعنة
تصيب القلوب بنار الهجير

وحتماً سيأتي الزمان الذي
تنادي الورى ، وبهم تستجير

سَيَعلو صُراخُكَ في العالمي
ن ، ويَنهالُ سُخط عَلَيك غَزِير

ولَن يُرجع الحُزنُ ما قد مَضَى
ويَومُ القيامة سُوءُ المَصير

وما ضرَّ مِثِلى صَنيعُ العَمي
ل ، وما ضاع مِنِّي الفُؤادُ النَّضير

فإنِّي بربي قويٌ جَسو
رٌ ، ومنِّي - على نائباتي - بَشير

سأحملُ طِفليَّ فوقَ الجَوى
وقلبي على عائداتي سمير

وأهلاً بِكِسرة خُبز لذي
ذٍ ، ومَرحى بعهد الفِراشِ الحصير

بَرِئتُ مِنَ الفاسقين العُتا
ةِ ، فلستُ المُضلَّ ، ولستُ الضَّرير

دنانيرُهم تحت خُفي ثرىً
وسُقيا لِعهدِ الزَّمان المَطير

وداعاً لِبَردِ عَطاءاتهم
ومَرحى بصوت الرُّبا والخرير

سأرفع سيفي على ساعدي
وسُقيا لعهد الفراش الحَرير

سأكسرُ قَيدي ، بأنشودتي
وإني عليه قويٌ قدير

بإذن الإلهِ أفُلِ القُيو
دَ ، وأجبُرُ كسرَ الفُؤاد الكسير

وأعلن حقي بدار العبي
دِ ، وأطرحُ وهمي العتيَ الحسير

ونصرُ الإلهِ وشيكُ الحلو
لِ ، لكُلِّ تقي به يستجير

يميناً سأقفلُ بابي هُنا
وأحظى بكلِّ صفاءٍ قرير

وأطرح كَرباً شَقيتُ بهِ
على يدِ مَن قد عدموا الضمير

ومَظلمتي عند ربي هُنا
كَ ، قِيامُ القيامة وقتٌ قصير

فربُّ البرايا عزيزٌ قدي
رٌ ، وربى - بكل الأنام - بصير

إذا كُنتُ – صدقاً - وليَ الإل
هِ سينصرني الله ، نِعمَ النصير

ليَ النَّصر ، ثم البلايا لكم
وربي على كل شيء قدير

وأنتم عبيدُ الطواغي إذن
وإن لم تتوبوا ، فنارُ السعير

وإني تفرستُ في أمركم
فلم ألق عُذراً لفعلِ حقير

وقد أدهشتني عمالاتُكُم
فأمرُ الخِياناتِ – حقاً - مُثير

لقد خُنتُمُ ربنا والنب
يَ ، وكم ذدتُما عنهما بالكثير

أراكم تَرَاجعتمُ القهقرى
فأفٍ لكم في التَرَدي الخطير

وأسأل ربِّيَ أنْ لا أعو
دَ لصُحبتكم والهَوَان المَرير

فإني أُعاديكمُ في الإل
هِ ، وأنتم زرعتُم بُذُور الهَجير

وحَمدُ المليك خِتَام القصي
د ، فَرَّبي بكل الثَّناء جَدير

© 2024 - موقع الشعر