حَبلُ المُنى بِحِبالِ اليَأسِ مَعقودُ - صفي الدين الحلي

حَبلُ المُنى بِحِبالِ اليَأسِ مَعقودُ
وَالأَمنُ مِن حادِثِ الأَيّامِ مَفقودُ

وَالمَرءُ ما بَينَ أَشراكِ الرَدى غَرَضٌ
صَميمُهُ بِسِهامِ الحَتفِ مَقصودُ

لا تَعجَبَنَّ فَما في المَوتِ مِن عَجَبٍ
إِذ ذاكَ حَدٌّ بِهِ الإِنسانُ مَحدودُ

فَالمُستَفادُ مِنَ الأَيّامِ مُرتَجَعٌ
وَالمُستَعارُ مِنَ الأَعمارِ مَردودُ

وَلِلمَنِيَّةِ أَظفارٌ إِذا ظَفِرَت
رَأَيتَ كُلَّ عَميدٍ وَهوَ مَعمودُ

لَم يَنجُ بِالبَأسِ مِنها مَع شَراسَتِهِ
لَيثُ العَرينِ وَلا بِالحيلَةِ السيدُ

قَد ضَلَّ مَن ظَنَّ بَعضَ الكَائِناتِ لَها
مَكثٌ وَلِلعالَمِ العُلوِيَّ تَخليدُ

أَلَم يَقولوا بِأَنَّ الشُهبَ خالِدَةٌ
طَبعاً فَأَينَ شِهابُ الدينِ مَحمودُ

مَن كانَ في عِلمِهِ بَينَ الوَرى عَلَماً
يُهدى بِهِ إِن زَوَت أَعلامَها البيدُ

وَمَن رَوَت فَضلَهُ حُسّادُ رُتبَتِهِ
وَعَنعَنَت عَن أَياديهِ الأَسانيدُ

فَضلٌ بِهِ أَوجُهُ الأَيّامِ مُشرِقَةٌ
كَأَنَّهُ لِخُدودِ الدَهرِ تَوريدُ

مُهَذَّبُ اللَفظِ لا في القَولِ لَجلَجَةٌ
مِنهُ وَلا عِندَهُ في الرَأيِ تَرديدُ

لا يَهدِمُ المَنُّ مِنهُ عُمرَ مَكرُمَةٍ
وَلا يُعَمَّدُ بِالمَطلِ المَواعيدُ

إِن كانَ يُقصَدُ مَقصودٌ لِبَذلِ نَدىً
فَإِنَّهُ لِلنَدى وَالفَضلِ مَقصودُ

لَهُ اليَراعُ الَّذي راعَ الخُطوبَ بِهِ
في حَلبَةِ الطَرسِ تَصويبٌ وَتَصعيدُ

أَصَمُّ أَخرَسُ مَشقوقُ اللِسانِ إِذا
طارَحتَهُ سُمِعَت مِنهُ الأَغاريدُ

إِن شاءَ تَسويدَ مُبيَضِّ الطَروسِ فَمِن
إِنشائِهِ لِبَياضِ الناسِ تَسويدُ

لَو خَطَّ سَطراً تَرى عَكسَ القِياسِ بِهِ
الشَمسُ طالِعَةٌ وَاللَيلُ مَوجودُ

وَالسائِراتُ الَّتي راقَت لِسامِعِها
أَلفاظُها وَحَلَت مِنهُ الأَناشيدُ

رَشيقَةُ السَبكِ لا المَعنى بِمُبتَذَلٍ
مِنها وَلا لَفظُها بِالعَسفِ مَكدودُ

يا صاحِبَ الرُتبَةِ المَعذورِ حاسِدُها
إِنَّ السَعيدَ عَلى النَعماءِ مَحسودُ

ما شامَ بَعدَكَ أَهلُ الشامِ بارِقَةً
لِلفَضلِ حينَ ذَوى مِن رَبِّهِ العودُ

إِلَيكَ قَد كانَ يُعزى العِلمُ مُنتَسِباً
وَاليَومَ فيكَ يُعَزّى العِلمُ وَالجودُ

كَم خُطبَةٍ لَكَ راعَ الخَطبَ مَوقِعُها
وَكَم تُقُلِّدَ مِنهُ الدَهرَ تَقليدُ

وَلَفظَةٍ لا يَسُدُّ الغَيرُ مَوضِعَها
غَرّاءَ تُحسَبُ ماءً وَهيَ جُلمودُ

وَجَحفَلٍ لِجَدالِ البَحثِ مُجتَمِعٌ
كَأَنَّهُ لِجِلادِ الحَربِ مَحشودُ

قَد جَرَّدَ الشوسُ فيهِ قُضبَ أَلسِنَةٍ
في مَعرَكٍ يَومُهُ المَشهورُ مَشهودُ

عَقَرتَ كُلَّ كَمِيٍّ في عَقيرَتِهِ
بِهِ وَأَزرُكَ بِالتَحقيقِ مَشدودُ

بِصارِمٍ لا يَرُدُّ الدِرعُ ضَربَتَهُ
وَلَو سَنى نَسجَهُ المَردودَ داوودُ

حَتّى إِذا نَكَصَ القَومُ الكَمِيُّ بِهِ
وَأَعوَزَت عِندَ دَعواهُ الأَسانيدُ

أَلقوا مَقاليدَهُم فيهِ إِلى بَطَلٍ
شَهمٍ إِلى مِثلِهِ تُلقى المَقاليدُ

يا مُفقِدي مَع وُجودي فَيضَ أَنعُمِهِ
هَمّي وَمَوجودُ وَجدي وَهوَ مَفقودُ

وَجاعِلَ الفَضلِ فيما بَينَنا نَسَباً
إِذ كانَ في نَسَبِ الآباءِ تَبعيدُ

قَد كانَ يُجدي التَناسي عَنكَ دَفعُ أَسىً
لَو أَنَّ مِثلَكَ في المِصرَينِ مَوجودُ

قَد أَخلَقَت ثوبَ صَبري فيكَ حادِثَةٌ
أَضحى بِها لِثِيابِ الحُزنِ تَجديدُ

بِرُغمِ أَنفِيَ أَن يَدعوكَ ذو أَمَلٍ
فَلا يَسُحُّ عِهادٌ مِنكَ مَعهودُ

وَأَن يُرى رَبعُكَ العافي وَليسَ بِهِ
مَرعىً خَصيبٌ وَظِلٌّ مِنكَ مَمدودُ

أَبكي إِذا ما خَلا أَوصافُ مَجدِكَ لي
فِكري وَأَطلُبُ صَبري وَهوَ مَطرودُ

وَأَلتَجي بِالتَسَلّي أَن سَتُخلِفُها
أَبناؤُكَ الغُرُّ أَو أَبناؤُكَ الصيدُ

فَسَوفَ تَرثيكَ مِنّي كُلُّ قافِيَةٍ
بِها لِذِكرِكَ بَينَ الناسِ تَخليدُ

وَأُسمِعُ الناسَ أَوصافاً عُرِفتَ بِها
حَتّى كَأَنَّكَ في الأَحياءِ مَعدودُ

فَلا عَدا الغَيثُ تُرباً أَنتَ ساكِنُهُ
مَع عِلمِنا أَنَّ فيهِ الغَيثَ مَلحودُ

وَدامَ وَالظِلُّ مَمدودٌ بِساحَتِهِ
وَالسِدرُ وَالطَلعُ مَحصورٌ وَمَنضودُ

© 2024 - موقع الشعر