يا عين يا هذي العروس! - أحمد علي سليمان

عَجِبْتُ للعَين ، غَاصَتْ في دَياجيهَا
والكربُ أوسَعَهَا حُزْنًا وتَشْوِيهَا

سُبْحَانَ ربِّكَ مَنْ بِالأمس أظلمَهَا
واليومَ أودعَ أنْوارَ الدُّنَا فِيهَا

والحَمْدُ للهِ باريها ومُوجدِهَا
واللهَ أشكرُ مِنْ قلْبِي أُهنِّيهَا

إنِّي لأَمرِ التي باتتْ تُؤرقُنِي
ما زلتُ أبكِي ، وبالشكوَى أُعزِّيهَا

فِي يومِ أن رحلتْ دعوتُ خالِقَهَا
حَمِدْتُهُ ، مُستريحَ النَّفْسِ رَاضِيهَا

مُسْتَرْجِعًا بدموعي ، لمْ أَكُنْ قَنِطًا
إنَّ القُنوطَ يُذِيبُ الرُّوحَ يَكويهَا

واليومَ أَحمَدُهُ مِلءَ السَّما فرحًا
بلْ مِلءَ مَا شَاءَ رَبِّي مِنْ أَقَاصِيهَا

والمُؤْمنُ الحَقُّ يدعو ربَّه أبَدًا
والحمدُ لله تُرضِي النفسَ ، تَرْوِيهَا

اللهُ أكبرُ يَا فَرْحا يُظلِّلُنِي
واللهُ أكبرُ يا عيناً أُسَلِّيهَا

فِيمَ الدُّمُوعُ وأنتِ اليومَ مُشْرِقَةٌ؟
يا ذي العَرُوسُ كفى ، وأَقْصِرِي تِيهَا

فِيمَ الدَّلالُ وشكرُ الله حِيلَتُنَا؟
لو كانَ وُسْعُ يَدِي نُوقًا أَو اشرِيهَا

أَوْ كَانَ وُسعُ يَدِي يا مقلتي بقرًا
أو كان وُسعُ يدي الأَلبانَ أُسْديِهَا

بذلتُ ما عِنْدَنَا لله أشكرُهُ
وبات عُرسُك نُورًا في دَياجِيهَا

وحامَ ثوبُكِ فوقَ النُّور مُبْتَهِجًا
وسُقتُ فرحتَكِ الخَجْلَى أُحَلِّيهَا

أَنتِ العروسُ ، وأنت اليوم بهجتُنَا
عُرسُ الحبيبة ، مَنْ عِندي يُدانِيهَا؟

أَنتِ البَريئةُ ، ما أذنبتِ يا أمَلي
نورُ النفوسِ ، وحِصْنٌ مِنْ أَعادِيهَا

عادتْ إلينا تَزفُّ البُشريَاتِ لنا
والنورُ يَسْرِي عبيرًا في لَيالِيهَا

اللهُ أكبرُ يَا عيناً مُعذبَةً
أنتِ البُطولةُ في أَسْمَى مَعَانِيهَا

يَا مَنْ سَقَتْنِي كُئوسَ الحزن يومَ غَفَتْ
واليومَ تُسعدُني فرحًا وتَرْفِيهَا

ساعاتُ عِيدٍ أَتَتْ ، واللهُ باركَهَا
إذ عادتِ العينُ خَجْلَى مِنْ تَسَامِيهَا

واللهِ ما طَرِبَتْ نفسي ، وما غَرَبَتْ
شمسٌ لعيني ، وفي رُوحي بَلاَوِيهَا

إلاَّ وقلبي على ظن بعَوْدتِهَا
تبارك اللهُ مُرضيها ومُبكيهَا

لا تسْخَري مِنْ دُموعي ، إنَّنِي وَجِلٌ
بالأمس أدمتْ جِراحًا مَنْ يُداويهَا؟

حتى علتْنِي هُمومي ، فاكتويتُ بهَا
واليومَ نوَّرها بالرِّيِّ بَاريهَا

يا عينُ يا هِبَةَ الرحمن ، يا أملِي
والنفسُ تهفو لمَنْ لُطفًا يُناجِيهَا

تجلدي ، واصبري ، فالخير موعدنا
والروح باسمة ، زِينتْ أمالِيها

إن الهموم تَهُزُّ الروح ، تقتلُها
لِكنَّمَا الأملَ الحاني يُعافيها

كُفِّي الدموعَ ، عيونُ الجرح نازفة
وحُرقة الدمع شَبَّت في مغانيها

نَاجِي الفُؤادَ ، ولوْ بالآه جامِحَةً
إنَّ الفؤادَ كسيرُ النَفْسِ بَاكِيهَا

واللهِ ، إنَّ الدُّجِى عَمَّتْ بَرَاثِنُهُ
مِنْ بعدِ أن جَرّحَتْ نفْسِي مَسَاوِيهَا

واليومَ عيدٌ فَلا حُزنٌ ولا أرقٌ
فيمَ الدموعُ؟ وقد جفَّتْ مآقِيهَا

هَذي الكَريمةُ يا قومي ، وجَوهَرتِي
هذي الحبيبةُ في دنيا أَمَانِيهَا

كَمْ ذا تَلاعبَ بِي وَهْمي وأخيِلَتي
ما حِيلتي ، والهَوَى تاجٌ يُجلِّيهَا؟

بِضَاعَتِي بَعْدَ إيماني القريض هُنَا
إنَّ العَمَالةَ أعيَتْ مَنْ يُعادِيهَا

والنَّفْسُ في أَرَقٍ سَاجٍ ومَلْهَبَةٍ
تَشْكُو الرزايا إلى الرحمنِ هَادِيهَا

حتَّى إذا أَبصَرتْ عَيْنِي فَرِحْتُ بهَا
ما خَابَ ظنيَ في ربي ، ولا فِيهَا

فاللهُ أكرمُ مَنْ يدعو الورى أبدًا
تباركَ اللهُ تشريفًاً وتَنْزِيهَا

ثَبِّتْ علَى مِلَّةِ العَدْنَان أفئِدةً
دانتْ بحق صُراحٍ ، لَيْسَ تَمْوِيهَا

كَادَتْ تَذوبُ على الإسْلام كيف قلا
هذي الديارَ ، فليتَ المَوْتَ يَطويهَا

فاَرحَمْ إلهي ضِعَافَ المُسْلمين بهَا
مَنْ ذا سِواكَ يُقوِّي أَزْرَ دامِيهَا؟

© 2024 - موقع الشعر