البادية والحاضرة! (مسرحية من فصل واحد) - أحمد علي سليمان

أحيي من القلب أهلَ الصفا
ومَن جاء حفلتنا ، واحتفى

وألقي السلامَ عطيرَ الشذى
يُعطر بالخير أهلَ الوفا

وأذكرُ رب السما دائماً
وبعدُ أصلي على المُصطفى

وآملُ أن تسمعوا قِصّتي
سماعاً إلى ما سأحكي هفا

وأنصحُ ، والنصحُ أغلى العطا
وأوثر أنْ لا تقولوا: كفى

فريقان: كلٌ يَعي رأيهُ
ويَعرضُ ما في القلوب اختفى

فرأيٌ من العصر مستحدثٌ
ورأيٌ عليه زماني عفا

فهيا اسمعوا وادرسوا وانقدوا
لقد يفلح اليوم مَن أنصفا

الفتاة الأولى
من فريق البادية

نحن أهل البادية
والقلوب الواعية

والعقول الصافية
والنفوس الزاكية

والخيام الغانية
والسجايا الغالية

في (البر) نرعى الماشية
منذ العصور الماضية

نهجو الأمورَ البالية
نحيا برُوح عالية

مهما دَهتنا دَاهية
لتزيل عنا العافية

نحن الأسودُ الضارية
نهدي العدوَ القاضية

لا نستكينُ لفانية
بل نستطيب الباقية

الفتاة الثانية
من فريق البادية

تقاة البَدْو أهلٌ للمديح
وأصحاب المناقب والطموح

يرَون العيشَ أفضلَ في البراري
ولا يسلون عنها بالنزوح

وبالبعران لم يرضَوْا بديلاً
ولو سيارة تزري بريح

وما قبلوا القصورَ لهم بيوتاً
على الأصقاع كالروض الفسيح

فتلك خيامُهم في كل وادٍ
أحيطتْ بالجرائد والصفيح

هم ارتأوُا الحضارة كالضواري
وليس نِدا الحضارة بالصحيح

فلم يتطوروا في أي شيء
بل التطويرُ يُفضِي للفضوح

لأن الغرب مصدرُ كل شر
وأهل الغرب جاؤوا بالقبيح

الفتاة الثالثة من فريق البادية
نحن العقائلَ أهلُ الجود والكرمِ

ومَوردُ الطهر والخيرات والنعمِ
نمسي ونصبحُ في عِز وفي شرفٍ

ولا نفارقُ يوماً موئلَ الخِيَم
هو الحجابُ مِن العيون يسترُنا

مِن شامخ الرأس حتى أخمص القدم
والزينة الكحلُ والعطورُ فائحة

وفي الكفوف رُسوماتٌ مِن الكَتم
ولا تسيرُ إلى المَشفى إذا مرضتْ

إحدى النساء ، وإن عانت من السقم
لكنْ تعالجُ بالأعشاب إن رغبتْ

بالزعفرانة ، أو بالسِدر والعَنم
وما المدارسُ إن رُمنا تعلمنا؟

وما الكتابُ الذي قد خط بالقلم؟
إن (المطوِّعة) العصماء تجعلنا

في ذِروة العلم والتعليم والفهُم
الفتاة الأولى

من فريق المدينة
إنما (الشرقيّ) أمسى إمّعة

ليس يَدري أين يَلقى المَنفعة؟
يُعْظمُ الأخلاقَ ، يُعلي شأنها

ومبادي الذكر أمستْ مَرجعه
رفعَ الغربُ الدنايا بُرقعاً

فغزا العالمَ هذا أجمعه
بينما الشرقُ تباهى بالهُدى

وسَنا التنزيل أضحى بُرقعه
فغدا في ذيل آنام الدنا

وجنانُ الشرق باتت بَلقعة
أيها القومُ اتركوا أعرافكم

والتقاليد ، فليست مُبدعة
صاغها الأسلافُ مِن عهدٍ مضى

وبها رجعية مستبشعة
كيف يا شرقيّ تستهدي بها

كي تُرى بين البرايا إمعة
الفتاة الثانية

من فريق المدينة
يا جيل (الماكدونالدِ) اهْدأ

وبعادات الماضين اهزأ
واسمعْ للروك ، وعِشْ حُراً

وبحِلك وحَرامك فاربأ
(هوليودُ) تناديك تقدمْ

والباطلُ حولك يُستمرأ
فامهدْ للعيش لتدركَه

عيشاً بالمُتعة يتلألأ
والبسْ للحاضر مُوضته

وانهضْ فوراً لا تتلكأ
واعشقْ عُطبلة ساحرة

وعلى حُرمتها فتجرأ
فنساءُ الدنيا لك ملكٌ

والسُكْرُ المِينا والمَرفأ
عربدْ في الأرض ، فلن تحيا

عُمراً آخر ، فافرحْ واهنأ
الفتاة الثالثة

من فريق المدينة
أرى الغربَ أطولَ منا يدا

وأنقى ازدهاراً ، وأزكى صدى
تحررَ مِن دينه مؤثراً

عليه الحضارة مُستفردا
وعاش يُؤلهُ أهواءه

فقال المَعاتيهُ: قد ألحدا
غزا الأرض من بعد غزو الفضا

وللعلم بين الورى غرّدا
ولم ينتبهْ للألى أنكروا

فقد أصبحوا طغمة حُسّدا
هو النورُ ، والحاقدون الدجى

هو العيشُ ، والمنكرون الردى
فيا ليتنا نقتفي دَربه

لكيلا تضيعَ الجهودُ سُدى
ألا فاطرحوا اليوم أغلالكم

فما أجمل العيش دون هُدى
فتاة

الخاتمة
وحّدوا الآراء ، واستبقوا الإخا

إنما الوحدة تهدينا الرخا
الاتحادُ الحق يعلي شأننا

حُق للدار به أن تشمخا
واذكروا الأجداد إذ عاشوا له

إنهم أهل المعالي والسخا
وحدة عزت بها أرواحُنا

إنها العقدُ الذي لن يُفسخا
إنما أعرافنا تِيجاننا

والتقاليدُ يُحليها الإخا
والحضاراتُ توشّي دارنا

وهْي أحرى في الدنا أن ترسخا
لستُ أعني رجسَها أو هزلها

أو هوىً بالفسق أمسى أوسخا
إنما أعني رُقياً سامياً

بعُرى الأخلاق أضحى أشمخا
الجميع في

نفس واحد
قال الله تعالى: اعتصموا

والعقلاءُ بذاك التزموا
ومِن الفرقة كم حذرنا

كم بالفرقة ضاعت أمم
والمؤمنُ للمؤمن عونٌ

كالبنيان إذا يلتحم
وحّدَنا الإسلامُ جميعاً

فالعُربُ اتحَدوا والعجم
وسَمتْ أمتنا شامخة

وعُراها ليست تنفصم
والله المولى أيّدها

بالنصر ، فليست تنهزم
ربّ الناس أدمْ عِزتها

بعطاياك ، فلا تنقصم
وإذا الأعداءُ بها مَكروا

أنت الناصرُ والمنتقم
© 2024 - موقع الشعر