مستهترة أنتِ يا هند! (نشرت صورتها) - أحمد علي سليمان

هدمتِ الذي بيني وبينكِ يا (هندُ)
وأوقدتِ ناراً هاجَ مِن جوفها الصهدُ

وأشهرتِ سيفاً ، ليس يُدفعُ ضربُه
وقد كان مأموناً ، يُخبئه الغمد

وراهنتِ أعدائي على قتل عِزتي
ووأدِ شُموخي بعد أن نجحَ الكيد

وأسرفتِ في كيل الأذى دون رحمةٍ
وكان على حُسّادنا الكيُّ والفصد

وأمعنت - في الإذلال - دون هوادةٍ
إلى أن دهَى النفسَ المجندلة الوَجد

وأدخلتِني حرباً تُمزق مُهجتي
تطولُ وتستشري ، فليس لها حَد

وأغرقتِني في بحر تِيهٍ وحَيرةٍ
وبات عُبابُ الماء - مِن فوقنا - يعدو

وألقيتِني والبيتَ والطفلَ مِن عَل
ومِن بعدها - مِن فوْره - انهدمَ الطود

غريمي عليكِ اليومَ يخلو بصورةٍ
وتُشجيه فحواها ، وفي حُسنها يشدو

ويَطربُ أن جاءته أندى غنيمةٍ
على طبق التسريب هينة تبدو

يُكحّلُ عينيْ جائع ، ليس يستحي
بعِرض تملى الشِيبُ سلواه والمُرد

ويُوسِعُ أنفَ الوغد شمّاً يَشوقه
لربّة حُسن ، لم يَزرْ عقلَها الرشد

ويَسعد بالحُسن اشتهاه فناله
رخيصاً بلا جهدٍ ، وأنى – له - الجُهد

ويَفرح أن صارت أمانيه واقعاً
وللهاتف المستملح الشكرُ والحمد

ويدعو رفاقَ الدرب كي يتفرجوا
على غادةٍ ريانةٍ ، وجهها يشدو

يقول: هلموا شرّفتنا صبية
علينا صِباها كم يروحُ ، وكم يغدو

وقد يرسلُ الألبومَ دون تورّع
لمن يشتهي ، أو للذي – عنده - نقد

إذا لم يصنْ حُرٌ مِن الوَحل -ِرضه
تدنسه فوضى ، العزيز - بها - عبد

وكم قلتُ: يا هندُ استفيقي وحاذري
فما استمعتْ للنصح بُحتُ به (هند)

ولا أنصتتْ للوعظ ، يحمي صِيانها
ولا زايلتْ مَكراً يموجُ ، ويَمتد

ولا أذعنتْ للحق ، يُصلحُ شأنها
ولا سربلتها في النزال القنا المُلد

فيا ليتها إذ أبدتِ الوجهَ للورى
قد اعتبرتْ بالضنك ، يورثه العِند

وهل هان وجهٌ زيّن السترُ حُسنه
لتكشفه هندٌ ، فيُبصره الوَغد؟

ألا إن بطن الأرض أولى بزوجها
مِن الظهر ، إن ظلت بذلك تعتد

فليس بديوثٍ ، وليس بهازل
وليس الذي تُقصيه عن شَرعه (دَعد)

وليس الذي تغريه ساقطة النسا
وليس الذي يفري مشاعرَه قد

ولا تجتني أنثى حِجاه بمَيسها
وليس الذي يكبو ، فيَصرعُه نهد

وليس الذي تُغويه حَسنا تغنجتْ
وجمّلها الوجهُ الصبوحُ ، أو الزند

ألم نتفقْ يا هند أن ننصر الهُدى
ليُسعفنا - بالرشد - خالقنا الفرد؟

ألم نلتزمْ بالحق والعدل جُهدنا
ووقرنا (عمروٌ) ، وشادَ بنا (زيد)؟

وكنا - لأهلينا - مثالاً وقدوة
وكان - لنا - عزمٌ يؤيدُه عهد؟

ألم ندرس الدينَ الحنيف مَحبة
وقرْبى إلى المولى ، وكان لنا جهد؟

ألم نقرأ القرآن غضاً مُرتلاً
فأشرقتِ التقوى ، وداعبنا السعد؟

ألم نفتخرْ رَدحاً بسُنة (أحمدٍ)
وكانت لنا رِدءاً ، ونحن لها جند؟

ألم نغتربْ عن دَارنا ودِيارنا
فقد عمتِ البلوى ، وضاقتْ بنا البُلد؟

وعشنا بلاءاتٍ ، وخضنا غِمارها
فما دمعتْ عينٌ ، ولا خيّم الوَجد؟

وكانت لنا - في المدلهمات - عزة
وتلك مساعينا تسنمها المجد؟

لماذا التدني بالتصاوير ، لم تكنْ
لقانون أقوام هي الشرط والقيد؟

تقولين: للذكرى فقلت: سفاهة
ومفلسة تهذي ، وماذا هو القصد؟

وما الذكرياتُ الهوجُ إن أشهرَ الخَطا
حُساماً على وحي السما سله الغمد؟

وهل ذكرياتٌ تستهينُ بدِيننا؟
وهل مخلصٌ - نحو الترهل - يرتد؟

وكم صورةٍ أودتْ ببيتِ أشاوس
ليغدوَ بيتاً - للعباقرة - اللحد

وللذكريات الغرّ أنواعُ جمّة
تجاوزتِ التصويرَ يغبطها المَجد

فمنها كليماتٌ تُصحّحُ دربنا
تَخللها النسرينُ والفلُ والوَرد

ومنها تجاريبٌ تُنقي مسارَنا
ونحيا كِرام الشأن ، تشهدُنا الأسْد

ومنها دروسٌ - في الحياة - كريمة
كبحر يُداوي سُقمَه الجَزْرُ والمَد

ومنها يواقيتُ المواعظ تحتوي
مَعيناً يُزكّي ، ليس - عن طرقه - بُد

ومِن بينها أندى المواقف كالسنا
تعلمنا أن البلاء - له - حَد

ومِن بينها بعضُ الكتابات سُطرتْ
بها الشبَهُ الرعناءُ يَدمغها الرد

ومِن بينها بعضُ الرسائل بيّنتْ
معالمَ درب فوق رَبوته البند

ومنها عِباءاتٌ لكل حَشيمةٍ
تدَثر فيها الجسمُ ، والرسمُ ، والقد

ومنها فساتينٌ على شرط ديننا
قماشاً وتفصيلاً ، وقد سُترَ الجلد

فهل عَوضتْ عن كل ذلك صورة؟
أجيبوا على سؤلي ، وفي صِدقكم فيد

أتُغني عيوناً صورة إذ تشوفها
لتُشبعَ ألباباً يُشتتها المَيد؟

ولكنها تُشجي قلوباً تريدُها
وتعشقها عِشقاً يُصاحبُه الوَقد

ويَشوي سعيرَ العِشق سِرّ وجودها
كنار تلظى - في سُرادقها - الصهد

وهل تُشبعُ النفسَ الدنيئة صورة
بها زكَت الألوانُ ، وانبجسَ الشهد؟

جحيمٌ هو العشقُ المتيّمُ عندما
يُصيبُ فؤاداً بالتوله كم يحدو

ويبقى مدى الأيام عبداً لمن هوى
يُطيعُ بلا رأي ، فالخنوعُ له بُرد

ويَجترّ ذل الحب في كل لحظةٍ
وللصب وجهٌ - مِن مَساويه - مُسْود

ويَقتاتُ آلامَ الهُيام مريرة
ويشقى به الإحساسُ والقلبُ والكِبد

وإن كان – للملتاع - زوجٌ وضرة
فقِبلته الأولى - لها - المَيلُ يشتد

تعمّد أنْ لا يطرحَ العشقَ جانباً
وكم يقتلُ الولهانَ - إما غلا - العمد

وإنْ كان – للهيمان - بيتٌ وأسرة
وإنْ ملأتْ أرحاب منزله الوُلد

فليس بناس ربّة الحُسن والصِبا
فيسترقُ الأنظارَ ، إنْ ظهرتْ (هند)

ويَرمقها بالعين ، يتبعُ ظلها
ويبكي بدمعٌ ليس يُنكره الخد

ويأسى إذا غابت ، ويرثي لفقدها
كأن عشيقاً هدّه الحب والفقد

فلمّا أتتْ للنذل صورتها سَبتْ
صواباً وعقلاً منه ، جُن بها القرد

ولستُ ألومُ الكلبَ يلهث سالياً
ويخلو بحَمقا ما لها - في الغبا - ند

ولكنْ ألومُ الزوجَ تُزري ببَعلها
وتجعله يقلو الودادَ ، ويحتد

وتُهدِرُ حق الزوج في عُقر داره
وتقبلُ بالتصوير ، مارسَه وفد

وتركلُ – بالنعلين - صَوناً وغيْرة
وتفتحُ باباً للمِرا ، ليس ينسد

وتغرسُ سِكيناً بأغلى مُروءةٍ
وتهدمُ صرحاً ، لم يكنْ قبلُ ينهد

وتُشْهرُ سيفاً يستبيحُ شهامة
وتأتي خطايا كالغثا ، ما لها عَد

تقول: تصاويرٌ – لذكرى - التقطها
وتمزحُ - في أمر - يُعضّدُه الجد

وتلقي بوعدٍ - في النقاش - ومَوثق
ألا خيّبَ الميثاقُ ، واندحرَ الوعد

بأنْ لا تكون - الدهرَ - أية صورةٍ
لها بين أيدي الناس بالطوْع مِن بَعد

فقلتُ: وهل - بعد التداول - مصرفٌ
وقد جُمعُ الألبومُ ، وانتصرَ الحِقد؟

تصاويرُ أهداها الجُناة لبعضهم
إلى أن أتت قوماً يُدَمّيهم الحَرد

قد اتسعَ الخرقُ المُمَزقُ ثوبنا
على راقع ، فيم التلاومُ والنقد؟

أمورٌ تعدتْ كل باع وقدرةٍ
جناها غريمٌ - في خصومته - جَلد

ليلطفْ بيَ الرحمنُ فيما أصابني
فإن الذي أحيا لمُستبشعٌ إد

ليرزقْنيَ الوهّابُ خيرَ تصبّرٍ
له الشكرُ مني ، والثناءاتُ والحمد

© 2024 - موقع الشعر