مستعفف ومستبصر - أحمد علي سليمان

استعففَ الشهمُ عن سؤال من بخلوا
فقيل: مستعظمٌ - بالكِبر - يحتفلُ

مستعذباً لذة العفاف معتمداً
على المليك ، فأيام الفتى دول

يصارع الفقر مختالاً بعزته
لأنه - في لظى بلائه - بطل

ويستطيل - على البلاء - محتملاً
مصائباً جُرحُها - في القلب - يشتعل

ترى العيونُ أناساً في بُلهنية
وكل فردٍ له - في عيشه - أمل

قصرٌ مشيدُ وحال كله رغدٌ
وأمسيات شدا - في ليلها - الغزل

قومٌ بأيديهمُ الأموال مُشرعة
وآخرون - بسيف الفقر - قد قتلوا

بئرٌ معطلة ، فالماءُ غار بها
ولم يعُد - في ثرى جدرانها - بلل

وخلفها أترعتْ أخرى مجاهرة
بالماء يطغى ، وبالخيرات يبتهل

والأغنياء ازدهى - بالمال - معظمهم
فما استقاموا على التقوى وما اعتدلوا

وما رعوْا حق مسكين به عوز
وحق كل فقير عندهم أكلوا

وعربدوا في بقاع الأرض دون حيا
وأعجزُ الناس مَن يُودي – به - الزلل

وبدّدوا المال في العصيان ، وانحرفوا
وخطبُهم - في لظى - أهوائهم جَلل

واستثقلوا الخير والمعروف تحسبهم
لنيل جنة رب الناس ما عملوا

أما المساكينُ فالأصقاعُ شاهدة
والسهلُ يشهد ، والصحراءُ والجبل

بأنهم ظلموا ، والظلمُ مخبثة
وحُمِّلوا بيننا ما ليس يُحتمل

وكُلفوا مؤنة الحياة باهظة
من بعد ما الأغنيا بمالهم بخلوا

واستبشع الفقراء العيش يلفحهم
يشكون لله من ضنوا ، ومن خذلوا

والفقر كأسٌ مرير لا يضارعه
كأسٌ ، وبالفقر - دوماً - يُضرب المثل

وضِيقُ ذات يد العفيف يأسره
والقيدُ يجعل دمع العين ينهمل

لكنّ عزته - في القلب - واعية
لما يُراد بها ، لذاك تنفعل

لا تقبل الضيم ، مهما فاض لاعجه
وما لها قط - في صرف الأسى - حِيَل

وذو المروءة مهما الفقرُ صارعه
فلا تراه - على الأيام - يُرتذل

إن العصاميّة الشهباء في دمه
تسمو بهمّته عن دَرْك من سفلوا

ووَدّ لو كان إملاقُ الورى رجلاً
حتى يُجندله – بسيفه - الرجل

والمرءُ يدرك بالكفاف مَأمله
وبالزيادة يأتي الذل والمَيَل

كم من فقير سمتْ فينا مناقبُه
برغم أن لم يكن – بالصِّيد - يتصل

لكنه العِلمُ يُعْلي شأن صاحبه
كما يُضِّيع مَن يأوي إلى الضلل

والعلم – للفقر - نبراسٌ يُضيءُ له
دياجراً عظمتْ ، تعافها السبُل

والعلم يُذهب ما بالنفس من عوز
وينفع المرءَ ، إن أزرى – به - الفشل

ويجعل المرء في جُلى ومَكرُمةٍ
مهما تنقصه - في الأرض - من غفلوا

فيستهين بما ساقوه من شُبَهٍ
ويَستخف بما قالوا ، وما فعلوا

والفقرُ أفضلُ من غنيً يُجَرعنا
ذل الحياة على أيدي مَن اختبلوا

والفقر أجملُ مِن مال يُكلفنا
موتَ الضمير بجرح ليس يندمل

والفقر أليقُ بالإنسان مِن عمل
طفّ الحرامُ به ، وخاب ذا العمل

والفقر أحلى من الإباء نبذله
لمن برب السما - بين الورى - عدلوا

والفقرُ أحسنُ مِن سؤال مَن قهروا
من أجل ثروتهم في الناس مَن سألوا

والفقر أروع من بيع الرشاد لمَن
مِن ديننا انسلخوا ، وبالهُدى هزلوا

والفقر جنة مَن يحيا لشرعته
شأن المَيامين مَن إسلامَهم عقلوا

والفقر بلسمُ مَن أسقامُه عظمتْ
وضاعفتها غموم اليأس والعِلل

والفقر أنفع للفؤاد مِن مُتع
في ظلها جذوة الإيمان تُبتذل

والفقر أكثر – للشريف - منفعة
من الهوان يُزكِّي نارَه السفل

والفقر أرفع - للكريم - منزلة
من عيشةٍ زادُها الخداعُ والختل

والفقر حُلة مَن زكتْ بصيرتهُ
إذا غلت - في الديار الرثة - الحُلل

والفقر عُدة مَن خانته عُصبته
فزايلوا الحق ، والعقيدة اعتزلوا

والفقر فخرٌ لمَن يرضى بحصته
من القضاء ، فيرضى ثم يبتهل

إرادة الله - في العِباد - فاعلة
الرزق حُدّ ، وخُط العمرُ والأجل

وللمليكِ شؤونٌ في خلائقه
فيم التخرص والبهتان والجدل؟

من شاء أغناه كي تُبلي مقاصدُهُ
فالبعض يطغى ، وبعضٌ بعدُ يعتدل

ومن يشأ خصه بالفقر يعصمُه
مِن الفجور ، كأحوال الألي جهلوا

بحكمة الرب كلٌّ - في البلا - أبداً
الآخِرون سَوا - في الأمر - والأوَل

بعضُ العباد كثيرُ المال يُفسدهم
ويَمنعون عطاء الناس إن سئلوا

ويَقطعون يداً مُدتْ تطالبهم
بالحق ، ما ردّهم خوفٌ ولا خجل

حياتهم - بمعاصي الله - قد مُلئتْ
لكل معصيةٍ قد مورستْ نِحَل

لذاك لم يؤتهم رب السما سَعة
حتى يظل لهم - من ربهم - وجل

والفقر جَمَّل - بين الناس - سيرتهم
حتى سَمتْ - بهمُ - الأمثال والمُثل

لو يعلم الناس ما في الفقر من أرج
لاستعذبوه ، ومِن واديه ما ارتحلوا

وحبذا عفة تزيد جذوته
إن الفقير - إذا ما استعفف - الجَمَل

يعيش محتسباً فقراً ومسكنة
والصبر عُدته ، إن أزّه المَلل

يُخالط الناس لا سُوآى ولا حسد
مهما قلوْه ، وإن ملوه واعتزلوا

يعيش في حكمةٍ تزينُ عالمه
وأسوة الشهم في ذي الحكمة الرسل

وللثراء عذاباتٌ مقنطرة
كأن أصحابه تطويهمُ الغِيَل

إذ لم يقوموا ببذل الخير معذرة
إلى المليك ، وما جادوا وما كفلوا

وأعرضوا عن حقوق في ديارهمُ
وصار كلٌ له مَنأى ومُعتزل

الله أكبر ، إن الفقر منقبة
هو الستار - على المَعُوذ - ينسدل

يقيه هول الحساب المُر يشهده
رب الأنام فيا بُشرى الألى بذلوا

يا رب سلم من الغنى وسطوته
فكل مَن عبَد الدينار مختبل

رباه واجعل لنا من ضيقنا فرجاً
إنا - عليك إلهَ الناس - نتكل

© 2024 - موقع الشعر